الذات المتضخمة

د. صياح عزام:

يبدو واضحاً أن الرئيس الأمريكي ترامب مصاب بتضخم الذات إلى حد كبير، هذا ما يجمع عليه العديد من المراقبين والمحللين السياسيين وحتى بعض الأطباء في علم النفس، لاسيما فيما ظهر منه من أقوال وتصريحات في الآونة الأخيرة، بعد فوز منافسه في الانتخابات الرئاسية جو بايدن.

على أي حال ليس في وسع ترامب الاستمرار طويلاً في حالة الإنكار التي يعيشها حتى الآن، ففي النهاية سيعترف بالأمر الواقع، سواء أقرّ بهزيمته أو واصل إنكارها، فهو لن يستطيع البقاء في منصبه بعد الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم الأربعاء الواقع في 20 كانون الثاني 2021.

حتى الساعة الحادية عشرة وتسع وخمسين دقيقة صباحاً من ذلك اليوم المشهود، سيكون ترامب هو الرئيس، وسيبقى مساعدوه في مكاتبهم بالبيت الأبيض، ولكن في الدقيقة التالية مباشرة، لن يصبح رئيساً، بل سيعود مواطناً عادياً، وسيتعين على مساعديه الخرج ليحلّ محلهم فريق بايدن.

طوال التاريخ الأمريكي لم يفعل رئيس ما فعله ترامب، إذ على الدوام كان يوجد رابحون وخاسرون في الانتخابات، ومع ذلك لم يرفض أحدهم تسليم السلطة إلى الفائز، أو يدعي التزوير أو يتصرف على هذا النحو كما هو حال ترامب.

إزاء هذه المسألة، طرحت وسائل الإعلام الأمريكية عدة افتراضات لتفسير السلوك الغريب للرئيس ترامب:

– أولها: يتعلق بطبيعة شخصيته بعنفوانها وعنادها وغطرستها وسلطويتها، أي أن موقفه الحالي هو حصيلة لتلك التركيبة الشخصية الفريدة، ويميل أصحاب هذا التفسير إلى الاعتقاد بأن ترامب لم يكن أمامه إلا موقفه هذا كمخرج، ليبرر لنفسه قبل غيره الهزيمة، وهو عزاؤه الوحيد لذاته المتضخمة.

– التفسير الثاني كان لصحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية عندما ذكرت أن ترامب يعرف أنه خسر، وأنه لا يوجد تزوير في النتائج، لكنه يريد نشر هذا الاعتقاد وترسيخه في نفوس الأمريكيين لهزيمة بايدن نفسياً ومعنوياً وأخلاقياً، بعد فشله في هزيمته انتخابياً، بحيث، حسب اعتقاده، تبقى قناعة لدى الشعب الأمريكي بأنه – أي بايدن- رئيس غير شرعي سرق الانتخابات، ويريد ترامب أيضاً تسميم الأرض أمام خصمه بتأخير عملية نقل السلطة، ما قد يتسبب في الفوضى والارتباك، ذلك أن ترامب يعرف أن عملية نقل السلطة تحتاج إلى وقت طويل، ويبدأ كل مرشح بتشكيل فريقه ليتولى هذا المرحلة من 150 إلى 200 عنصر يتواصلون مع الإدارة لإصدار تصاريح لمئات الموظفين، للوصول إلى المكاتب التي سيعمل فيها عناصر الإدارة الجديدة، وما يدل على ضخامة هذه العملية، أن الرئيس يتولى تعيين نحو 4000 مسؤول حكومي، بينهم ألف مسؤول يحتاجون للمصادقة على تعيينهم من قبل الكونغرس.

– ثمة تفسير ثالث لسلوك ترامب وادعائه تزوير الانتخابات، وهو أنه يريد إلهاب غضب مؤيديه، وحثهم على مواصلة التحشيد والتحشد لتحقيق أهداف ثلاثة وهي:

1- ضمان وجود قاعدة شعبية جارفة لخوض انتخابات عام 2024.

2- الضغط من خلال هذه القاعدة على الجمهوريين في الكونغرس لمواصلة تأييدهم له.

3- ربما يريد أن يتحول إلى أسطورة شعبية عابرة للأحزاب وذات قاعدة شعبية مؤلفة من 70 مليون أمريكي، وبالتالي سيصبح رقماً صعباً لا يمكن تجاهله في الساحة الأمريكية.

4- التفسير الأخير هو أن ترامب ليس لديه خطط وبرامج تطوير حقيقية، بل هو يتصرف بدافع الغضب والانتقام ليس غير، وهذا الانتقام ليس من الديمقراطيين فقط، بل من عدة مسؤولين اختارهم بنفسه ولم يقفوا معه بصورة كافية وكما كان يتوخى منهم حسب اعتقاده.

أخيراً، يشير الكثيرون إلى أنه مازال في جعبة ترامب الكثير، وأن أخطر ما يمكن أن يفعله، لم يفعله بعد.

العدد 1102 - 03/4/2024