بداية منافسة فعلية ما بين نموذجين للاقتصاد العالمي

د. أحمد ديركي:

جرى توقيع أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم بين 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادي، وتمثل هذه الدول ثلث الاقتصاد العالمي. وتعرف الاتفاقية باسم (الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة)، والدول المشاركة فيها هي: الصين وكوريا الجنوبية وأستراليا وفيتنام وتايلاند والفلبين ولاوس وكمبوديا وميانمار وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وبورناي واليابان ونيوزلاند. وتغطي الاتفاقية 202 مليار شخص و29% من الناتج الاقتصادي العالمي.

وتهدف الاتفاقية إلى إلغاء التعريفات الجمركية على العديد من السلع المتداولة بين دول الاتفاقية، وستغطي الاتفاقية التجارية كل شيء من التجارة والخدمات والاستثمار والتجارة الإلكترونية والاتصالات وحقوق النشر. وتمت العملية برمتها، أي توقيع الاتفاقية، عبر تقنية الإنترنيت في اجتماع استضافته فيتنام، ووقع وزير التجارة في كل دولة الاتفاقية واحداً تلو الآخر، ثم رفع الورقة الموقعة أمام الكاميرا.

لم تكن الاتفاقية وليدة اللحظة، فقد بدأت المشاورات والتداولات حولها منذ عام 2012، ويبدو ان وباء كورونا وما تسببه من أضرار اقتصادية في العالم قد سرّع توقيع هذه الاتفاقية لإعادة النشاط الاقتصادي لهذه البلدان. وهذا ما يمكن تلمسه من خلال كلمة رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ، غذ قال بعد التوقيع: (في ظل الظروف العالمية الحالية فإن حقيقة توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بعد 8 سنوات من المفاوضات تبعث بصيصاً من النور والأمل وسط الغيوم)، مضيفاً: (يظهر بوضوح أن التعددية هي الطريق الصحيح وتمثل الاتجاه الصحيح للاقتصاد العالمي وتقدم البشرية).

وبيّن رئيس الوزراء الفيتنامي، نجوين شوان فوك، أن توقيع الاتفاقية الاقتصادية الشاملة هو إجراء ملموس يظهر التصميم على التعاون والاندماج في المنطقة.

ومن المفارقة في هذه الاتفاقية أنها لم تضم روسيا، ويبدو أن هذا الأمر تسبب بنوع من الاستياء للروس، ما دفع بالصحف الروسية إلى التعليق على الاتفاقية بالقول، وفقاً لدميتري موسياكوف، رئيس قسم جنوب شرق آسيا في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية: (… وحقيقة أن روسيا لم تذكر يمكن تفسيرها بنقاط الضعف والقصور في سياستنا الخارجية في هذا الاتجاه. إنه لغز بالنسبة لي لماذا نجد أنفسنا على هامش هذه العملية؟ الشراكة الاقتصادية الشاملة مؤسسة صينية ومع ذلك روسيا ليست فيها).

ويمكن لهذه الاتفاقية أن تمثل نوعاً من الصراع الفعلي ما بين الولايات المتحدة والصين، فقد فازت الصين من خلال هذه الاتفاقية بـ 29% من الناتج الاقتصادي العالمي، وهي بذلك تمتّن مركزها الأول في الاقتصاد العالمي. ومن اللافت للنظر في كلمة لي كه تشيانغ القول: (… التعددية هي الطريق الصحيح وتمثل الاتجاه الصحيح للاقتصاد العالمي وتقدم البشرية) ما يشير إلى حدة التنافس ما بين النموذج الأمريكي، كنمط إنتاج، والنموذج الصيني. بعيداً عن وباء كورونا، يبدو أن عام 2021 سوف يحمل معه بدايات فعلية لمنافسة حادة ما بين النموذجين الصيني والأمريكي.       

العدد 1104 - 24/4/2024