السوريون والرؤوس الصلبة
كتب رئيس التحرير:
واهمٌ من يظنّ أن حلّ الأزمة السورية وأزمات المنطقة، بشكل عامّ، يكمن في تليين رؤوس صلبة، وتحريضها باتجاه انتهاج سياسات تؤدي إلى الانفراج، وتفتح الآفاق أمام إنهاء عذابات السوريين في الداخل والخارج.
الأمر ليس كذلك، كما تثبت الوقائع، فلا رؤوس القادة الأمريكيين المتعاقبين من بداية الأزمة السورية، ولا رأس أردوغان (سلطان الغفلة)، ولا عقول بعض الزعماء الأوربيين المشاكسة، عامل مؤثر في هذه المسألة، بل تتلخص القضية في مخططٍ وُضع كي يتسيّد الكيان الصهيوني هذا الجزء في العالم، ويبقي المصالح الحيوية للإمبريالية الأمريكية وحلفائها بمنأى عن (الراديكاليين) المناوئين لهيمنة أمريكا والغرب.
الأمريكيون خططوا لـ(شرق أوسط جديد) بالتعاون مع الصهيونية العالمية، منذ تحول الدول النامية الكبرى إلى أقطاب كبرى ترفع الفيتو أمام هيمنة القطب الأمريكي الذي يسعى ليبقى القطب الأوحد، فأوصال هؤلاء ارتعشت بعد نهوض المارد الصيني والعملاق الروسي، وبروز احتمال خسارتهم لمنابع الثروات في منطقة تصنيع الثروات.
وهكذا عملوا على (عملقة) الكيان الصهيوني، وشيطنة إيران، وتفتيت العراق، ومحاولة غزو سورية، وإبقاء لبنان فوق برميل البارود، ولوّحوا بعد ذلك بمفاتيح الحل السحري لشعوب هذه المنطقة: تآخوا مع مغتصِب أراضيكم ومن أدمى شعوبكم، ثم قبِّلوا أياديه الملوثة بدم الفلسطيني والسوري والأردني واللبناني والمصري!
الانتخابات الأمريكية ونتائجها، والتغيّرات السياسية في بلدان أوربا الغربية وتداعياتها، وسقوط صقر من صقور العدوان هنا، وبروز معتدل هناك، لا يغيّر في الأمر شيئاً، فحكومة العالم المتلطّية خلف (إيباك) والمصارف الكبرى والصناعة العسكرية تمدّ شبكاتها الأخطبوطية حتى إلى متزعمي (الجامعة) العربية اليوم، الذين أحالوا تاريخها وقراراتها إلى الأرشيف.
السوريون الذين أمضوا سنوات عشراً يدافعون عن بلادهم، في مواجهة الغزو الإرهابي، والذين عاشوا فظائع الحرب وأهوالها ومآسيها، كما لم يشهد غيرهم من شعوب العالم، وما زالوا يعانون تبعاتها، السوريون غير معنيين اليوم بتليين رأس هذا الزعيم الأمريكي أو ذاك، ولا يهمّهم رضا (سلطان الغفلة) التركي، بل يخوضون نزالاً مصيرياً للدفاع عن وحدة بلادهم أرضاً وشعباً، وسيادتها، وحرية شعبها في التطلع إلى غد يختارونه لطموحاتهم القديمة الجديدة، بالتحول إلى مجتمع ديمقراطي علماني تقدمي، يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية.
وكي نصلّب عزيمة السوريين، الواقفين اليوم في مواجهة الأمريكيين وحلفائهم، لا بدّ من التخلص من الأوهام القديمة.. ومن الممارسات القديمة، التي ساعدت بهذا الشكل أو ذاك على استباحة التراب السوري، ونهب الخيرات السورية.
كلمة السر هنا هي تحقيق طموحات الشعب السوري، والخروج من النفق المظلم الذي أراده الأمريكي والصهيوني معْبراً لإركاع بلادنا وشعبنا.
– شعبٌ جائع لن يستطيع المقاومة وطرد الاحتلال.
– أيدٍ مقيّدة لن تصنع خبزاً جيداً.
– آراء مصادَرة لن تغيّر عقول أجيال المستقبل.
– حناجر مكبوتة لن تنشد للنصر.
– الفساد يجهض عزيمة المقاومين.
– التفرّد والاستئثار وتجاهل الآخر يحبط آمال المتطلّعين إلى الغد السوري.
إنها كلمة السرّ التي تجمع السوريين، إنها مفتاح النصر النهائي على بقايا الإرهاب والاحتلال الصهيوني والتركي والأمريكي، إنها طموحات السوريين جميعاً كي يقفوا صامدين خلف جيشهم الوطني الباسل.
أما الرؤوس الصلبة فلن تعنينا بعد ذلك.