تعويم العملة

ريم الحسين:

هو سياسة نقدية تحدد سعر العملة وفقاً للعرض والطلب في السوق، أي ترك العملة عائمة ترتفع وتنخفض مع موجات العرض والطلب. تلجأ إليه دول للحد من ارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقارنة بعملتها، أي جعل سعر صرفها محرّراً بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر، وبالتالي وجود سعر واحد والقضاء على الفروقات بين الأسعار في السوق النظامية والسوق السوداء.

وتتقلب أسعار صرف العملة العائمة باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، حتى إنها يمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد. ونجاح تحرير سعر الصرف يعتمد أولاً على قدرة التنافس في الدولة لجهة الإنتاج والتصدير.

هناك نوعان من تحرير العملات: تعويم حرّ في الدول الصناعية، وتعويم موجّه أو مدار في الدول النامية.

التعويم الحرّ يخضع سعر صرف العملة للعرض والطلب ويكون تدخل المصرف المركزي يقتصر فقط على ضبط سرعة تغير السعر، وليس على الحد منه، أما التعويم المدار فيتدخل المصرف المركزي بموجبه كلما دعت الحاجة.

وغالباً ما يؤدي قرار التعويم في البداية إلى تدهور قيمة العملة المحلية حتى تصل للسعر التوازني، وهو ما ينطوي على إيجابيات متعددة، فإن تحرير سعر صرف العملة الوطنية إذا رافقته إصلاحات اقتصادية تركز على الإنتاج والتصنيع، من شأنه أن يؤدي إلى دعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة التصدير والحد من الاستيراد غير الضروري، واستقطاب المزيد من المستثمرين الأجانب، وهو ما سيؤدي لتحسن وضعية الميزان التجاري وزيادة معدلات النمو وتراجع مستويات التضخم وتعافي العملة المحلية تدريجياً.

ورغم ما سبق فقد تكون لقرار التعويم غير المدروس سلبيات خطيرة على الاقتصاد الوطني وعلى المستوى المعيشي للمواطنين تحول دون الاستفادة من الإيجابيات آنفة الذكر، فالتدهور المفاجئ لقيمة العملة المحلية بالنصف مثلاً سيؤدي لتضرر من يستثمر باستخدام العملة المحلية، لأنه ببساطة سيفقد نصف قيمة ثروته، كذلك ستزيد خدمة الدين وسترتفع تكلفة الواردات وستتفاقم معدلات التضخم وهو ما سيؤثر تأثيرا مباشراً على الحالة المعيشية للمواطنين.

دول عدة عوّمت عملاتها أبرزها البرازيل والأرجنتين والصين والهند وأخيراً مصر.

وقد أدت تجربة الهند والصين في تعويم عملتيهما إلى الخروج من مأزقهما الاقتصادي، أما في حالة البلدان النامية فتعتبر أغلب التجارب سيئة، وذلك لعدة أسباب أهمها أن الطلب العالمي على صادرات البلدان النامية في معظمه عالي المرونة، والجهاز الإنتاجي لديها ضعيف نسبياً وغير قادر على تلبية الطلب الخارجي، إن وجد، وهي تنفذ معظم تجارتها الخارجية بعملات أهم شركائها التجاريين، وليس بعملتها المحلية، وتقيّد على حركة العملة المحلية كثيراً.

وتشهد تجربة بعض البلدان النامية مثل المكسيك والأرجنتين على ذلك، فقد كان تخفيض قيمة العملة في هذين البلدين مصاحباً في أغلب الأحيان بتصاعد التضخم وتراجع الإنتاج.

وتعويم العملة ضروري من أجل الحكومات التي تقرر الاتجاه نحو الاقتراض الخارجي، لأن أحد شروط الإقراض التي يضعها صندوق النقد الدولي لمنح الدول القروض هو توحيد سعر الصرف بين السوق النظامية والسوق السوداء.

العدد 1104 - 24/4/2024