الازدحام في الصفوف والمعلومات.. والبديل: الدروس الخصوصية

وعد حسون نصر:

مع بداية العام الدراسي تتزاحم الأوراق المُرسلة إلينا من قبل المعاهد الخاصة أو حتى من قبل بعض المُدرّسين والمُدرّسات في المدارس العامة والخاصة بخصوص الدروس الخصوصية في المنازل، وكأن الرسالة منذ بداية العام النجاح مقابل الدرس الخصوصي، والمعلومة الكاملة تصلك من معلمتك في المنزل.

أسباب كثيرة وضعت الأهل والمُدرّسين والمدرسة أمام خيار الدروس الخاصة:

أوّلها، العدد الهائل من الطلاب أو التلاميذ داخل غرفة الصف، ممّا يمنع المعلمة من إيصال الفكرة على المتعلمين بشكل واضح وكافٍ، ما يصعّب على المتعلّم فهمها بشكل سليم.

السبب الثاني هو المردود المادي الضئيل للمُدرّس الذي لا يعادل مقدار التعب المبذول، وخاصة عند مُدرّسي المرحلة الإعدادية والثانوية ممّا يضطّر المُدرّس أن يلجأ إلى مورد آخر، وهنا الخيار الأول للحصول على هذا المردود يكون من الدروس الخصوصية أو التدريس بعد الدوام في المعاهد الخاصة.

والثالث هو معدّل القبول الجامعي الذي يرتفع من عام إلى آخر، ولا ننسى أننا في مجتمع حريص على مستقبل أبنائه الدراسي، لكنّنا من طبقة لا تسمح لنا بوضع أبنائنا في مدراس خاصة، وهنا لا بدّ أن نلجأ إلى تعويض الفاقد التعليمي عند أبنائنا بدروس المتابعة، سواء التي تقام داخل المدرسة أو في معاهد تهتم بالمتابعة لدى الطلاب أو من خلال الدرس الخاص داخل المنزل، بغض النظر عن التكلفة المادية الباهظة مقابل هذه المتابعة، فالمهم لدينا فقط دراسة أبنائنا ومستقبلهم العلمي خاصة أننا عاجزون عن إلحاقهم بمدرسة أو جامعة خاصة.

كما لا يمكن تجاهل كم المعلومات المحشوّة داخل الكتب المدرسية والتي تُشتّت فكر الطالب، لصعوبتها وكثرة تشابه هذه المعلومات وضرورة حفظها، والكثير منّا نحن الأهالي يقف عاجزاً عن إيصال المعلومة بطريقة سهلة وبسيطة لأطفالنا، وهنا لابدّ لنا من طلب المساعدة من المدرس الخصوصي باعتباره الوحيد أمامنا في إيصال المعلومة بطريقة بسيطة لأبنائنا.

وبذلك ندرك تعدّد الأسباب التي دفعت بالأهل والمدرس والمدرسة للجوء إلى دروس المتابعة حتى أصبح نشاط الدروس الخصوصية بمثابة عمل لبعض الأشخاص وتجارة رابحة كذلك. يُضاف إلى هذا أيضاً رغبة أولياء الأمور تحصيل أبنائهم درجات عالية، وترتيباً متقدماً على مستوى المدرسة والجمهورية، والسبب الأهم تكدّس المناهج وطريقة الامتحانات القائمة غالباً على الحفظ أكثر من الفهم. يضاف إلى ذلك تراجع دور المدرسة وهجر الطلاب لها، وخاصة في ظلّ الظروف الصعبة من حرب ووباء وفقر وتهجير وغيرها، واضطرار المعلم، بسبب إلحاح الحاجة المادية يومياً، إلى تحسين دخله، ممّا يدفعه إلى إعطاء دروس خصوصية رغم عدم إيمان البعض بها. وقد تكون أكثر المواد التي تحتل الصدارة في قائمة الدروس الخاصة: (اللغة الإنكليزية، والفرنسية، والرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، اللغة العربية) بسبب الكابوس القائم في أذهان أبنائنا عن صعوبة هذه المواد، وهذا الكابوس المتوارث من الأهل والمدرسين فقط لدينا نحن العرب، لأننا ننظر إلى المواد العلمية واللغة على أنها أهم من مواد الترفية والتسلية كالرسم والشعر وغيرها لأبنائنا، وهنا نحطّم نفوس طلابنا بكابوس الرهبة من المادة وشبحها بالامتحان، بما يُشعر الطالب نفسه أنه مهما درس هذه المواد بمفرده لا يمكن أن يتجاوز شبحها بالامتحان، لذلك هو بحاجة إلى مُدرّس خصوصي أو متابعة في المدرسة أو المعهد.

وأخيراً يمكننا القول: أيّاً كانت الأسباب الكامنة خلف ظاهرة الدروس الخصوصية أو المتابعة في المدارس بعد الدوام وانتشارها، وسواء كان الخلل في بعض المدرسين، أو في ضعف المستوى المعرفي لبعض الطلاب، أو للثقافة الأسرية، أو ما يتعلّق بارتفاع معدلات القبول الجامعي، أو صعوبة المناهج وكثافتها، أو تحسين الوضع المادي للمعلم، وغيرها من الأسباب الكثيرة الأخرى، فدون حلول حقيقية وموضوعية لمجمل هذه الأسباب وتفاقمها بمجتمعنا، فإن هذا يعني أنّ الظاهرة ستستمر، وبعض الطلاب الميسورين سيتجهون نحو الدروس الخصوصية، والأخطر أن البعض الآخر من الطلاب الفقراء سوف يكون لديهم إهمال لتحصيلهم المدرسي والعلمي، ما يوصلنا إلى نتيجة مفادها: إنّ عمق المسألة قائم ومتمركز في السياسات العامة وخاصة السياسات التعليمية المتبعة، ومن هنا يجب أن يبدأ الحل..  ولكي نصل إلى مستقبل علمي متقدم لأبنائنا ولبلدنا، علينا أن نعمل على حل الخلل في المنظومة التعليمية أولاً، وأن يكون مرتّب المُدرّس في رأس الأولويات القائمة لأنه الأساس وعماد تطور أي بلد، فهو من خرّج الطبيب والمحامي والضابط والمهندس، أي هو النواة الأولى لتقدم المجتمعات كافةً وازدهارها.

العدد 1104 - 24/4/2024