مهنة أم رسالة؟!

ريم داوود:

لطالما آمنتُ وأدركتُ أن التعليم رسالة عطاء وتضحية وإيمان بهذه الرسالة، كما عبّر عنها أحمد شوقي في قصيدة له يقول فيها:

كاد المعلم أن يكون رسولا!

رفضتُ ولا أزال رافضة أن يكون التعليم مجرّد مهنة يسعى إليها الانسان بهدف كسب العيش والحصول على عمل يناسب رغباته والتزاماته من حيث الدوام، والعطل والتوقيت وغيرها من الأمور التي يتم تداولها بين العامة. فالتعليم رسالة، بناء أجيال وأوطان، وإن كُنّا لا ندرك خطورة هذه الرسالة وأهميتها، فمن الأفضل عدم خوض غمارها.

في حوار دار حول واقع التدريس وما آلت إليه المدارس في أيامنا هذه، تناولتُ وبعض الزملاء آفةً أصبحنا نعاني منها بشكل واضح، بل أصبحت وصمة عار على جبين الواقع والتعليم لدينا: (الدروس الخصوصية). فقد اجتمعتُ بإحدى الصديقات التي اتخذت من التدريس مهنة لها، وفيما كنا نتبادل الأفكار سألتها متطفّلة: كيف حال المدرسة والطلاب؟ تنهّدت وكأن الدنيا ضاقت بها وبادلتني السؤال: هل لديك طلاب بحاجة إلى مُدرّسة خصوصية؟ نظرت إليها نظرة العجب متسائلة: وهل عدلت عن رأيك؟ أجابت: نعم، يا صديقتي إنها الحاجة. وتابعت حديثها موضحة كمّ التعب الذي تتكبّده كلّ يوم والمعاناة مع الطلاب، وأن ما تتقاضاه في نهاية الشهر لا يكفي إيجار منزل، فكيف لها أن تقتات هي وعائلتها؟! وإن ما يتقاضاه المُدرّس الخصوصي اليوم يفوق راتبه الشهري أضعاف المرات، فما المانع من ذلك؟

إننا اليوم نواجه مشكلة حقيقية وأعباء كبرى، فكم من الوقت والساعات الإضافية علينا أن نعمل لتحقيق أبسط سبل العيش لنا ولأولادنا من أقساط مدرسية ومستلزمات وخدمات، وآخرها مصاريف الدروس الخصوصية التي صارت تفوق الوصف والخيال، وكأن هذه الظاهرة أصبحت بروتوكولاً ضرورياً، فما الذي يدفعنا إلى ذلك؟ هل هي صعوبة المناهج وضخامتها، أم عدم قدرة الأهل على تدريس أبنائهم، أم تقصير الكادر التعليمي؟

أسئلة إذا ما نظرنا إليها وأمعنّا جيداً سنجد أنها مجتمعة هي السبب وراء أخذ الدروس الخصوصية. لقد أصبحت هذه الظاهرة حالة شبه طبيعية لدى طلاب الشهادتين الأساسي والثانوية، تُحجز مواعيد لدى بعض المدرسين في فترة العطلة الصيفية وكأنّنا في عيادة طبيب، لكن صدمة كبيرة انتابتني عندما علمت أن مجمل ما يدفعه الأهل للدروس الخصوصية وصل إلى ما يقارب مليونَي ليرة سورية، فأجر ساعة المُدرّس الخصوصي فاقت الـ ٨ آلاف ليرة سورية. إنّنا نعلم جيداً مدى ضخامة المناهج وصعوبتها على كل من الطالب والأهل، لكن هذا لا يعطي المُدرّسين والقدامى منهم الحقّ في استغلال هذه الحاجة الماسّة اليوم، فرحمة بطلابنا وأمانة برسالتكم!

العدد 1102 - 03/4/2024