لا لإلغاء الدعم الاجتماعي!

كتب رئيس التحرير:

الأصوات التي علت مؤخراً، مطالبة بإلغاء الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة والمتوسطة، لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، فقد سبق أن تعالت أصوات بعض مسؤولي الاقتصاد خلال الفترة الممتدة ما بين 2005 – 2011، بعد إعادة هيكلة اقتصاد البلاد باتجاه اقتصاد السوق، وتنفيذ نصائح الصناديق الدولية والبنك الدولي، التي أجمعت آنذاك على إلغاء الدعم الاجتماعي، ووقف تدخل الدولة في الأسواق، وخصخصة القطاع العام والمرافق الحيوية التي تديرها الدولة كالمرافئ والمطارات، وقد نفذت الحكومات بعض هذه النصائح، ومنها قضم هذا الدعم تدريجياً عن طريق رفع أسعار بعض السلع والخدمات المدعومة، كالمشتقات النفطية والكهرباء، وتحويل المشافي الحكومية المجانية إلى هيئات مستقلة.

خلال الأزمة ومحاولة الغزو الإرهابي لسورية، وتداعيات الحصار والعقوبات التي فرضها التحالف الدولي المعادي لبلادنا بزعامة الولايات المتحدة، اشتدت حاجة المواطن إلى دعم الحكومة، بسبب تردّي وضعه المعيشي بعد ارتفاع نسب البطالة والفقر، في الوقت الذي تقلصت فيه الإيرادات العائدة للدولة، إضافة إلى صعوبات تأمين السلع الأساسية استيراداً من الخارج، بعد تراجع قيمة الليرة السورية، والعقوبات المفروضة على المصرف المركزي ومؤسسات التجارة الخارجية. وهنا ظهر واضحاً تراجع دور الحكومات في التأثير بالأسواق وأسعار الصرف، ورقابة الأسعار، ولمس المواطن السوري تقصير الحكومات في إيصال الدعم، إضافة إلى الطرق الصعبة التي تسلكها إذا ما أوصلته، ثم لجأت الحكومات بعد ذلك إلى تقليص الدعم الاجتماعي مجدداً، برفعها أسعار جميع السلع والخدمات المدعومة مراراً، كان آخرها رفع سعر الخبز والبنزين ومازوت الصناعيين، فانضمّت بذلك إلى كبار المستوردين وحيتان الأسواق الذين أرهقوا المواطنين، بعد أن رفعوا أسعار جميع السلع.

إن الدعم الاجتماعي يشمل السلع الغذائية الأساسية والصحة والتعليم والخدمات الحكومية الأخرى، ورغم ملاحظاتنا على طريقة إيصاله، ورفضنا لتقليصه، يبقى هذا الدعم هو السند الأهم للمواطن السوري في مواجهة أزمته المعيشية التي أصبحت مأساوية.

لقد كان حزبنا الشيوعي السوري الموحد، ومازال، مع زيادة الدعم الحكومي للفئات الفقيرة والمتوسطة، وطالب، ومازال يطالب، بتوجيه هذا الدعم لمستحقيه الحقيقيين، دون أن يشمل الفئات الثرية والمقتدرة، وقد ساهمنا بدورنا في تقديم الدراسات والاقتراحات حول شمول هذا الدعم جميع احتياجات الفئات الشعبية، وخاصة خلال سنوات الجمر، وتأمين تكاليفه من خلال رفع نسب الضريبة المباشرة على الأرباح والريوع، وخاصة على الذين أثروا خلال الأزمة والغزو.

إن الأصوات التي علت اليوم مطالبة بإلغاء الدعم الاجتماعي، إما أنها لا تعي تماماً تنوّع هذا الدعم، ومدى انعكاسه على أوضاع المواطنين المعيشية، أو أنها أن تساهم عن قصد في إلغاء الدور الرعائي للحكومة، وفي انسحابها النهائي من دورها الاجتماعي.. والاقتصادي.. والإنساني تجاه الفئات الفقيرة والمتوسطة.

وكي يتضح تماماً حجم الدعم الاجتماعي، نطالب الحكومة بتوضيح علني لكيفية حساب تكاليف هذا الدعم في موازناتها، والأسس التي استندت إليها في تأمين تكاليفه، إضافة إلى الكفّ عن محاولات تقليصه.

نؤكّد مجدّداً:

لا لوقف الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة والمتوسطة، ونعم لتوجيه الدعم لمستحقيه، بطرق لا ترهقهم كما يحدث اليوم.

العدد 1102 - 03/4/2024