لا تدعوا التنمّر يغتال مواهبهم وإنسانيتهم!

وعد حسون نصر:

كم من أشخاص اغتيلت أحلامهم بسبب سخريتنا منهم! نعم، كثيرون منّا خسروا أحلامهم وخسروا طموحهم، بسب سخرية أو ضحكة أو (جلسة أَنْكَلة، كما تقال بالعامية)! وكم من طفل ذهب للمدرسة مكسور الروح، بسبب سخرية زملائه منه، لثيابه الممزقة، أو حقيبته القديمة، أو حذائه الرث، أو حتى قصة شعره، أو لون بشرته، أو شكل جسده من سمنة زائدة أو نحف ظاهر، أو حتى على نظاراته، أو تقويم أسنانه، هذا التنمّر حطّم أحلام كثيرين من أطفالنا وحتى من شبابنا ومنّا أنفسنا، وولّد لدينا ولدى أطفالنا الصغار ردّات فعل غير متوقعة، فالبعض أصبح عنيفاً، ومنهم من أصابته الكآبة وأصبح منعزلاً عن العالم لا يرغب في الاختلاط مع الآخرين، يلتزم الصمت حزيناً بوجه شاحب وعينين تخشيان أن ترنوا للأمل.

نعم، من لا يعلم تأثير هذا الشعور البشع فليعلم الآن أن هذا الذي يحصل بسبب سخريته وأسلوبه المتنمّر، الذي قتل أرواحنا وأرواح هؤلاء الاطفال ببطء، ومزّق نفوسنا مع كل ضحكة صفراء من وجه ساخر بنا، فهل يغيب عنك أن أرواح أطفالنا تتمزّق من شدّة التنمّر وخاصة فيما بينهم من قبل بعضهم زملائهم.

ألا يجدر بنا أن نربّي أنفسنا قبل أطفالنا على طيب الكلام؟! أن نخبرهم أنهم ليسوا أفضل من غيرهم إلاّ بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، ذلك أنّ سوء أطفالنا هو نتيجة تربيتنا لهم، فإن علمناهم الحب والطيب والخير والمعاملة الحسنة فسوف يكونون صورتنا أمام العالم الخارجي، ويكونوا سفراء لنا بالأخلاق والطيب مع الآخرين، وإن لقنّاهم السوء والحقد والسخرية من الآخرين والكلام البذيء فسيكونون سفراء لنا للعالم بسوء أخلاقهم، فلنُحسن تربيتنا لأطفالنا أولاً فهي رسالة منّا لأولادنا كي ينقلوها للآخرين. فكم مؤلم أن ترى طفلك حزيناً بسبب سوء معاملة زملائه له في المدرسة أو الطريق أو النادي! وكم سيصبح هذا الطفل عديم الثقة بنفسه مستضعفاً يخشى المواجهة والخروج بمفرده، قليل الكلام لأنه يعلم أنه مثار سخرية الآخرين!

إذاً كل هذا التنمّر الذي ولّده الآخرون في نفوس أبنائنا سينعكس على سلوكهم فيما بينهم. كثيرون منهم يصبحون شديدي العنف، شديدي التوتر، متردّدين، مزعجين، والسبب هو رغبتهم في تعويض النقص بردّات فعل تجذب الأنظار إليهم. ولا ننسى كذلك أن هذا التنمّر البشع الواقع على أطفالنا يسبب فشل الكثيرين منهم دراسياً، كما ويبعدهم عن أحلامهم وطموحاتهم، وسبب عدم سعادتهم وسبب يأسهم، وكل هذا بسبب سوء التربية التي تلقيناها وصدّرناها لاحقاً لأبنائنا، لذلك علينا ان ندرك مدى تأثير علاقتنا بأطفالنا على طريقة تعاملهم مع أقرانهم في المجتمع، والأم هي الاساس في تصدير حبها للعالم من خلال طفلها، لذا أخبريه عزيزتي الأم أنه أجمل طفل في العالم، وأنه صورة عن كل الأطفال، قولي له إنه أذكى طفل وإنه بالتالي نموذج حي يشبه كل الأطفال بذكائه، علميه أن حبك له يجعل العالم وردياً وأن الزهور تفتّحت بهذا الحب وتعطّرت الدنيا بشذى هذا الحب الذي سيعطّر دنياه إن أحب من حوله، فهو صورة عنك، عن غضبك، عن حبك، عن حزنك وفرحك، وعن ضحكتك.. فاجعلي صورتك جميلة للعالم بطفلك، فكلما أحببنا أنفسنا ونقلنا حبنا لأطفالنا، كانوا محبّين لأنفسهم ولمن حولهم.

أوقِفوا التنمّر بين الأطفال بالكلمة الطيبة، اجعلوهم يحققون طموحاتهم دون أن يكون شكلهم عائقاً أو صوتهم جداراً يمنع تغريدهم بالفرح، دون أن تكون ملابسهم ستاراً يحجب أحلامهم عن الواقع، ولندرك ونعلم أن سلوك التنمّر مرتبط أغلب الأحيان بمن يمارسه أكثر من ارتباطه بمن يقع ضحية له، وخاصة التنمّر المدرسي بين التلاميذ، وهنا يأتي دور المعلّمين بعد الوالدين للحدّ من سلوك التنمّر، من خلال العمل على كيفية تطوير المهارات الاجتماعية بين الطلاب، لأن علاقة المعلم مع الطالب لا تقلُّ أهمية عن علاقة الطلا فيما بينهم، فللمعلم دور جوهري في مكافحة ظاهرة التنمّر المدرسي أو التنمّر الإلكتروني، من خلال خلق جو تفاعلي وتواصل حقيقي مع الطلبة، وخلق جو فصلي فعّال ونشط من خلال الأنشطة التفاعلية المختلفة وتوعيتهم على التسامح وتقدير مشاعر الآخرين وتشجيعهم، بالثناء على السلوك المحترم والإيجابي، وتقع مسؤولية حماية الأطفال من جميع أشكال الأذى والإساءة على عاتق الوالدين والمعلمين وغيرهم من البالغين في المجتمع، وكل ما يسعى إليه الطالب أو الطفل هو التوقف عن التنمّر سواء كان هو الضحية أو الشخص المتنمّر، لذلك علينا أن ننشر الحب والتعاطف والتسامح والأمل لأنهم أهم أركان السلام في المجتمع الذي نسعى لخلوّه من التنمر بكل أشكاله على كل الأعمار والأشخاص والجنسيات والمجتمعات.

العدد 1104 - 24/4/2024