المجد لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى!
عادل أحمد:
تحتفل الطبقة العاملة العالمية، وجميع قوى الحرية والعدالة والسلام في العالم، بمرور 103 أعوام على اندلاع الحدث الأعظم في القرن العشرين، وهو انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا القيصرية عام 1917، بقيادة الثوري العظيم فلاديمير لينين زعيم البلاشفة الروس.
لقد فتحت هذه الثورة أمام البشرية آفاقاً جديدة لعالم خال من استثمار الإنسان لأخيه الإنسان، ولا يحكمه المستغلون والمتخمون، وخلال سبعين عام من عمر الثورة، أضافت إلى التراث البشري مفاهيم جديدة، ساعدت الطبقة العاملة العالمية وجميع الضعفاء والمهمشين في العالم على نبذ الظلم والاستغلال والاستعمار، وأرست، بعد الانتصار التاريخي على النازية، نمطاً جديداً من العلاقات الدولية لا تهدده الحروب.
المطلوب اليوم استلهام التقاليد الثورية لثورة أكتوبر، ومعانيها السامية، ومغزى قيام مجتمع اشتراكي عادل، ودراسة هذه التجربة الاشتراكية التي قدمت للشعب السوفييتي ولشعوب العالم المقهورة مكاسب كبرى، والتركيز على نجاحاتها وإخفاقاتها والأسباب التي أجهضت استمرارها، وهي مهمة ماثلة أمام جميع الشيوعيين والثوريين في العالم أجمع إذا ما أرادوا بناء مجتمع الغد الاشتراكي.. الإنساني.
في ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية!
تمرّ في هذه الايام ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا. تعتبر ثورة أكتوبر واحدة من أعظم الثورات في تاريخ البشرية، وذلك لعمق فهمها وتأثيراتها على مسار قرن من التاريخ بأكمله، وتأثيراتها على مجمل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والثقافية وتركت بصماتها عليه، لأنها كانت الثورة الاجتماعية بمعنى الكلمة، فقد قامت في خضم التناقضات والتلاطمات السياسية والاجتماعية بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع الروسي. كانت هي الثورة الاجتماعية بمعنى أنها شكّلت انتصاراً سياسياً، حملت النقد السياسي والاجتماعي للطبقة العاملة وأكثرية المحرومين على علاقات الانتاج الرأسمالي. إن كل الثورات الاجتماعية في التاريخ، كانت قد انبثقت لحل وفصل التناقضات في علاقات الإنتاج الاجتماعية السائدة. وإن ثورة أكتوبر في روسيا حدثت أيضاً لهذه المهمة الاجتماعية، وحملت الأفق والبديل للطبقة العاملة وإرادتها من أجل تحقيق الأماني والتطلعات الإنسانية، من أجل الحرية والمساواة والرفاه التي حلمت بها البشرية طوال التاريخ.
وإن المعنى الاجتماعي لثورة أكتوبر يتلخص أيضاً في أن هذه الثورة هدفها الأصلي كان تحقيق تلك المهمة التي ترى أن الطبقات المحرومة بإمكانها قلب الموازين وصيرورة التاريخ، إذا وجدت قوتها وإرادتها في معترك الصراعات بشكل واعٍ ومنظم من أجل الانتصار على الطبقات الحاكمة، التي تستمد قوتها من علاقات الإنتاج والملكية الخاصة والثروة الهائلة.. إن الثورة كانت تتحرك وفق الوعي الإنساني لأول مرة في تاريخ البشرية، وليس على المعطيات والمصادفات التاريخية، الوعي الذي كان يعرف فك لغز الصراع الطبقي ومهام العنصر الفعال أي الطبقة العاملة ومكانتها وقوتها وآفاقها وأهدافها بشكل صريح وواضح، وإبراز دورها في كل مرحلة من مراحل هذا النضال الطبقي. لولا هذا الوعي وإدراك مكانة الطبقات وخاصة دور الطبقة العاملة وإرادتها في التغيير الجذري للمجتمع، لما انتصرت ثورة أكتوبر.
وهناك معنى آخر بأن ثورة أكتوبر كانت ثورة اجتماعية، وأنها دخلت الى التأريخ تحمل المعاني والاصطلاحات الجديدة في العلاقة بين الإنسانية. وغيرت كثيراً من مفاهيم العهد القديم، وأنتجت مفاهيم وقيماً إنسانية جديدة من الحرية والمساواة والإنسانية والمجتمع والسلطة. إن تاريخ القرن العشرين مليء بهذه المفاهيم الإنسانية التي اشتقت من تأثير الثورة على المجتمع. إن القضاء على استغلال الإنسان بيد الإنسان، وضمان المساواة الكاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بين الناس، والحريات السياسية غير المشروطة، فالإنسان نفسه هو الأول والمقدس، توزيع الثروة بالتساوي في المجتمع والسلام الدائم بين البشر.. كلها كانت مفاهيم ومصطلحات سياسية طوال قرن من الزمن في جميع أنحاء العالم، بين الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمحرومين.
إن ثورة أكتوبر الاشتراكية انتصرت انتصاراً سياسياً على الطبقة البرجوازية من قبل الطبقة العاملة والحزب البلشفي. وإن فلاديمير لينين كان العنصر الفعال لثورة أكتوبر واستخدم إرادة الطبقة العاملة في كل التغيرات والمسارات من أجل إسقاط سلطة البرجوازية، وإقامة الحكومة العمالية بالتعاون مع الفلاحين الفقراء. وإن لينين كان رمزاً وتجسيداً حياً وجسوراً لإرادة الطبقة العاملة الروسية من أجل الاشتراكية، لولا هذا التجسيد وهذه الإرادة لما انتصرت الاشتراكية في روسيا.
إن الثورة الاشتراكية في الأصل هي الثورة الاقتصادية، أي تحويل الاقتصاد الرأسمالي إلى الاشتراكية. إن النقد الاشتراكي والماركسي للنظام الرأسمالي قبل كل شيء هو النقد الاقتصادي، أي نقد علاقات الإنتاج الرأسمالي والملكية الخاصة للبرجوازية والعمل المأجور كنواة لهذه العلاقة الاجتماعية، وإن أي تغيير في المجتمع يجب أن يبدأ من هذا النقد لهذه العلاقة الاجتماعية. وبما أن جميع البنى السياسية للبرجوازية هي انعكاس لهذه العلاقة الاقتصادية وتتمركز سيادتها بالسلطة السياسية، وأن السلطة السياسية هي لحماية بقاء علاقات الإنتاج الرأسمالي بيد الطبقة البرجوازية، فإن الشرط الأول لأي تغيير في المجتمع، يجب أن يبدأ من السلطة السياسية للبرجوازية وإسقاطها، وإحلال سلطة الطبقة العاملة المنظمة محلّها، وإقامة دكتاتورية البروليتارية لتثبيت السلطة العمالية في المقام الأول، ومن ثم استخدام هذه السلطة لتقير نمط وعلاقات الإنتاج البرجوازي عن طريق اشتراكية وسائل الانتاج الاجتماعي وإلغاء العمل المأجور.
للأسف لم تتمكن الطبقة العاملة من القيام بهذه المهمة الرئيسية في ثورة أكتوبر الروسية، بعد ان رسخت سلطتها وقمعت كل المقاومة البرجوازية المحلية والعالمية التي كانت تحاول استرجاع سلطتها المهزومة. وإن عدم استمرار الثورة الاشتراكية حتى النهاية أي حتى إلغاء العمل المأجور واشتراكية نمط الإنتاج، فقد تمكن الحل والبديل للبرجوازية من إيجاد طريقة اخرى لاسترجاع سلطتها وإن رأسمالية الدولة كانت الشكل الأنسب لإرجاع هذه السلطة، وتمكنت تدريجياً من استلام السلطة من الطبقة العاملة في نهاية العشرينيات من القرن العشرين، وبهذا خسرت الثورة جميع مهامها وسلطتها وحلت مكانها سلطة الطبقة البرجوازية وعلاقاتها عن طريق رأسمالية الدولة تحت اسم الاشتراكية والحكومة السوفيتية. حتى فشل ثورة أكتوبر يمكن بحثه ونقده في السياق الاجتماعي للطبقات وآفاقها وبدائلها وتقاليدها.. أي بحث فشلها ضمن صراعات وآفاق الطبقات الاجتماعية في المجتمع الروسي، وليس على أسس الانحرافات الإيديولوجية والسياسية لقادة الحزب البلشفي، كما كانت سائدة داخل أوساط اليسار الراديكالي والتقليدي طوال القرن العشرين وامتدت حتى يومنا هذا.
إذا كان علينا نحن الماركسيين أن نبحث انتصار ثورة أكتوبر في نطاق الحركات الاجتماعية والنضال الطبقي، فإن علينا أن نبحث فشلها في هذا السياق أيضاً أي في سياق صراع الحركات الاجتماعية في المجتمع الروسي. انتصرت الثورة الاشتراكية واستلمت السلطة في 25 تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1917 (حسب التقويم الروسي القديم والتي يصادف 7 تشرين الثاني (نوفمبر) حسب التقويم الجديد). وفشلها جاء في خضم الجدالات والنقاشات للبدائل التي طرحت أواسط العشرينيات من القرن العشرين، ولكن البديل والأفق الذي رسمت به الثورة الاقتصادية الأصلية والتي كانت من المفروض أن تكون اشتراكية وسائل الإنتاج وإلغاء العمل المأجور فوراً، حل مكانه رأسمالية الدولة وبقي العمل المأجور حتى آخر أيام الدولة السوفيتية والذي هو روح وأسس النظام الرأسمالي، ومن ثم فشل هذا النموذج من رأسمالية الدولة أمام التنافس ورأسمالية السوق الحر. وقامت البرجوازية بهجوم إعلامي وسياسي بأن الاشتراكية فشلت ولم تعد تخدم الإنسانية، وفي الحقيقة أثبت التاريخ لا رأسمالية الدولة ولا رأسمالية السوق تخدم البشرية وإنما إلغاء الرأسمال والعمل المأجور هي شروط سعادة الإنسانية وإقامة مجتمع حر ومتساوي.
في ذكرى ثورة أكتوبر، يحتاج العالم والطبقة العاملة والطبقات المحرومة إلى ثورات على نمط ثورة أكتوبر الاشتراكية، ولكن بوصولها حتى النهاية أي القضاء على العمل المأجور والملكية الخاصة واشتراكية علاقات ووسائل الانتاج الاجتماعي، وفي النهاية القضاء على الطبقات ومحو استغلال الإنسان بيد الإنسان، وإقامة عالم تسوده الحرية والمساواة والرفاه الكاملة.