اللامركزية الإدارية ودورها في تحقيق التنمية المحلية
سليمان أمين:
تقوم اللامركزية على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة، وأشخاص الإدارة المحلية في المدن (المحافظات) الأخرى، وتتمتع هذه الأشخاص بالشخصية المعنوية المستقلة، مع خضوعها لرقابة الحكومة المركزية.
تتمتع السلطة المحلية بقدر من الاستقلال في ممارسة اختصاصاتها فتحتفظ الإدارة المركزية بإدارة بعض المرافق العامة القومية، وتمنح الأشخاص المعنوية المحلية سلطة إنشاء وإدارة بعض المرافق العامة ذات الطابع المحلي، وعلى ذلك يظهر هذا المنهج إلى جانب الإدارة المركزية أشخاصٌ معنوية محلية أو مرفقية يطلق عليها: الإدارة اللامركزية، أو السلطات الإدارية اللامركزية.
هناك صورتان أساسيتان للامركزية الإدارية (اللامركزية المحلية أو الإقليمية)، و(اللامركزية المصلحية أو المرفقية).
1- اللامركزية الإقليمية أو المحلية:
ومعناها أن تمنح السلطات المركزية إلى جزء من إقليم الدولة جانباً من اختصاصاتها في إدارة المرافق والمصالح المحلية، مع تمتّعها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري.
وتستند هذه الصورة إلى فكرة الديمقراطية التي تقتضي إعطاء سكان الوحدات المحلية الحق في مباشرة شؤونهم ومرافقهم بأنفسهم عن طريق مجالس منتخبة منهم.
2- اللامركزية المرفقية:
يجد المشرع في أحيان كثيرة أنه من الضروري أن يمنح بعض المشاريع والمرافق والمصالح العامة الشخصية المعنوية وقدراً من الاستقلال عن الإدارة المركزية مع خضوعها لإشرافها، كمرافق الخدمات (البريد والتلفون والكهرباء والإذاعة…الخ)، لتسهيل ممارستها لنشاطاتها بعيداً عن التعقيدات الإدارية.
وتمارس اللامركزية المرفقية نشاطاً واحداً أو أنشطة متجانسة كما هو الحال في الهيئات والمؤسسات العامة، على عكس اللامركزية المحلية التي تدير العديد من المرافق أو الأنشطة غير المتجانسة، ولا يستند هذا الأسلوب على فكرة الديمقراطية، إنما هي فكرة فنية تتصل بكفاءة إدارة المرفق، وعلى ذلك ليس من حاجة للأخذ بأسلوب الانتخابات في اختيار رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة هذه الهيئات العامة، ويحرص المشرّع دائماً أن تكون ممارسة هذه المؤسسات لنشاطها ضمن الحدود والاختصاصات التي أجازها ولا يمكن مباشرة نشاط آخر أو التوسيع من اختصاصاتها.
تتمتع اللامركزية الإدارية بكثير من المزايا الإيجابية التي تخلق حالة صحية للمجتمع، ولها بعض العيوب والسلبية وفق ما يراه بعض المختصين، وهذا ما سنذكره في مقالنا:
عيوب اللامركزية الإدارية:
وفق ما يراه بعض المحللين أو أصحاب القرار فإن تطبيق اللامركزية الإدارية يؤدي إلى المساس بوحدة الدولة من خلال توزيع الوظيفة الإدارية بين الوزارات والهيئات المحلية، كما يمكن أن يخلق صراعاً بين الهيئات اللامركزية والسلطة المركزية لتمتع الاثنين بالشخصية المعنوية، ولأن الهيئات المحلية غالباً ما تقدم المصالح المحلية على المصلحة العامة، وغالباً ما تكون الهيئات اللامركزية أقل خبرة ودراية من السلطة المركزية، ومن ثم فهي أكثر إسرافاً في الإنفاق بالمقارنة مع الإدارة المركزية.
يمكن أن نقول وفق رأي خبراء الإدارة إن هذه الانتقادات مبالغ فيها إلى حد كبير، ويمكن علاجها عن طريق الرقابة أو الوصاية
الإدارية التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية، والتي تضمن وحدة الدولة وضمن أطر محددة لا يمكن أن تتجاوزها تلك الهيئات. ومن جانب آخر يمكن سد النقص في خبرة الهيئات اللامركزية من خلال التدريب ومعاونة الحكومة المركزية، مما يقلل من فرص الإسراف في النفقات والإضرار بخزينة الدولة.
أغلب الدول تتجه اليوم نحو الأخذ بأسلوب اللامركزية الإدارية على اعتبار أنه الأسلوب الأمثل للتنظيم الإداري.
فوائد اللامركزية الإدارية:
– اللامركزية الإدارية تؤدي إلى تركيز اهتمام الموظفين العامين على مطالب الشعب الحقيقية، وليس على إملاءات النخبة المركزية وأوامرها.
– تساعد اللامركزية على تقريب القرارات العامة من الناس وتبعدهم من السياسيين، ويعود ذلك إلى موضوعين مهمين: أولهما فيما يتعلق بالشؤون المحلية، سيكون الأهالي قادرين على فهم القضايا التي تكون مطروحة للمناقشة. والثاني الأهالي ليسوا بعيدين أو غائبين عن الساحة السياسية المحلية كما هي الحال غالباً على المستوى الوطني العام.
– اللامركزية هي وسيلة لزيادة مساءلة الشعب للحكومة، وذلك لسببين هما:
* من السهل على المستوى المحلي تحديد الأشخاص المسؤولين عن الأداء الإداري، وذلك بخلاف الحكومة المركزية بحجمها الواسع وبنيتها المعقدة.
* إن تحقيق الشفافية في الإدارة أمر سهل على مستوى الحكم المحلي، وبالتالي يمكن للأهالي أن يعرفوا بشكل دقيق كل ما يتعلق بعمل الإدارة، وخصوصاً ما هي الأعمال التي تقوم بها أو لا تقوم بها.
– تمتاز الشؤون المطروحة على المستوى الإداري المحلي ببساطتها وقابليتها للفهم من قبل الأهالي، وبالتالي فإنه من المرجح أن يختار الأهالي مسؤوليهم المحليين بناء على إدراكهم الواضح لأولوياتهم ومصالحهم.
– أما على الصعيد النمو الاقتصادي فإن اللامركزية تنحو إلى تشجيع النمو المتوازن والمتكافئ، ويعود ذلك إلى أن اللامركزية تعطي الشعب دوراً أكبر كثيراً في عملية صنع القرار من النظام المركزي، و تتطلب توافقاً وطنياً على خطط التنمية الوطنية أكثر اتساعاً مما تطلبه الأنظمة المركزية التي يصنع القرار فيها بعض النخب في العاصمة.
– تسمح اللامركزية باعتماد برنامج للتنمية الوطنية أكثر عقلانية وصقلاً. ويعود ذلك نظراً إلى اختلاف الحاجات والفرص باختلاف المناطق.
– تساهم اللامركزية الإدارية بالطبع في عدم تمركز رأس المال والاستثمار في العاصمة، وبالتالي تساعد على اللامركزية الاقتصادية، وتساعد المقاربة المتنوعة للتنمية على التنافس بين المناطق لتأمين استثمارات وفرص عمل.
– اللامركزية الإدارية تتفادى مشكلة الجمود الإداري، فهي تقدم حلاً لكثير من المشاكل الإدارية والبطء والروتين والتأخر في اتخاذ القرارات الإدارية وتوفر أيسر السبل في تفهم احتياجات المصالح المحلية وأقدر على رعايتها.
– الإدارة المحلية تساهم بشكل متكامل في تثقيف المواطنين وتكوين ديمقراطيين قادرين وفاعلين، فهي تعطيهم المعلومات والخبرات المتعلقة بالشؤون العامة في مستوى يمكنهم من فهمها والتفاعل معها بسهولة.
– ترسخ المبادئ الديمقراطية في الإدارة، لأنها تهدف إلى اشتراك الشعب في اتخاذ القرارات وإدارة المرافق العامة المحلية، فهي الآلية الرئيسية في الأنظمة الديمقراطية التحديثية التي تحافظ على دور الشعب في صنع القرار.
– يعزز الحكم المحلي الانسجام والتوافق الاجتماعي، فهو يتيح للسكان المحليين وممثليهم فرصة اكتساب الخبرة في مجال حل الأزمات والصراعات في إطار مجتمع محلي يمكن إدارته.
– يحدد الحكم المحلي طابع العمل السياسي وينحو إلى توجيهه باتجاه المقاربات الأكثر هدوءاً وعقلانية.
– تنمي اللامركزية المساواة السياسية عبر توسيع هامش المشاركة السياسية في أنحاء البلاد كافة ومضاعفة الفرص والمستويات للناس من كل الأنواع للمساهمة في صنع القرار.
-تحقيق العدالة في توزيع حصيلة الضرائب وتوفير الخدمات في كل أرجاء الدولة، على عكس المركزية الإدارية، التي تتيح أن تحظى العاصمة والمدن الكبرى بعناية أكبر على حساب المدن والأقاليم الأخرى.
ختاماً
تمثل اللامركزية، بما تمنحه من صلاحيات أوسع للهيئات المحلية، إطاراً ملائماً لإشراك المجتمعات المحلية في التخطيط والتنفيذ ومتابعة تنميتها الذاتية، كما تساهم اللامركزية في نشر الديمقراطية ومشاركة مختلف الفاعلين في العملية التنموية، وقد أصبح المجال المحلي خلال العقود الثلاثة الأخيرة إطارها الأنسب. بهدف تحقيق استغلال أمثل للموارد الطبيعية المحلية المتاحة والكامنة، وتشغيل الأيدي العاملة المحلية ومساهمة اللامركزية في تحقيق التنمية المحلية.