من يتسابق على نشر الوباء: الحكومة أم الشعب؟
أنس أبو فخر:
منذ مطلع الشهر الرابع من العام الحالي (نيسان) بدأت في سورية بشكل واضح تسجيل حالات مصابة بفيروس كوفيد-19(كورونا)، وقد سبق أن تحدّثنا مراراً عن ضرورة عدم انتظار وصول الوباء إلى سورية، وطالبنا الحكومة والشعب باتخاذ التدابير اللازمة للتصدّي للوباء قبل اجتياحه البلاد، ولكن للأسف لم يتمّ الإصغاء لأصواتنا بل تمّ التعامل معها على محمل السخرية، إلى أن بدأت تسجيل الحالات في البلاد بالتصاعد مطلع الشهر الرابع، وعلى إثره فُرض حظر تجوال جزئي وتوقفت العملية الدراسية لقرابة الشهرين وذلك مع وصول العام الدراسي إلى شاطئ الامتحانات النهائية.
وبعد كل هذه الفترة وما حصل فيها من تخبّطات وقرارات ومطالبات بالالتزام والوعي، كان القرار الذي أعاد الجدل في واقع البلاد هو قرار وزارة التربية بافتتاح المدارس وعدم الانتظار أو التأجيل.
الطبيب وعميد كلية الطب_ سابقاَ_ في جامعة دمشق (نبوغ العوا) أشعل الجدال في مواقع التواصل الاجتماعي، بتصريحه: يجب تأجيل افتتاح المدارس مالا يقلّ عن خمسة عشر يوماً، ورد وزير التربية الجديد على هذا التصريح بطريقة وصفها البعض بأنها أشبه بالمهاترات، فقد كان رد وزير التربية بأنّ العوّا لم يوقف الامتحانات الجامعية ولا المشافي، ومع كل ما حصل من جدال حول هذا القرار فقد تمّ تنفيذه، وبالفعل افتُتحت المدارس بين صورة واقعية تؤكّد عدم وجود أيّ نوع من الإجراءات الوقائية المتفق عليها، وصور من الإعلام الوطني تقول عكس ذلك.
لكن يبقى السؤال: هل عملية افتتاح المدارس ستكون السبب المباشر في انتشار الفيروس؟
الجواب وهذا رأي شخصي هو طبعاً: لا، وإن مواقع التواصل الإجتماعي تمنح فرصة الكلام والحرية للجميع فلم نعد نميّز المثقف من نقيضه، فالجميع كان ضدّ هذه الخطوة ووصفها بالخطرة على حياة أولاده وبلده أيضاً، وشعرتُ للوهلة الأولى وأنا أتابع تعليقات البعض أننا شعب ملتزم من الطراز الرفيع بكامل التدابير الوقائية اللازمة، ويحق لنا أن نتساءل عن عدّة أمور ونقاط لم نرَ منتقدي قرار افتتاح المدارس ومعارضيه يعارضونها أو يحذّرون منها ويصابون بحالة الهلع الهستيري بسببها.
أليست المنتزهات والحدائق والملاهي التي كانت تعجّ بالزائرين في فترة الحجر الصحي أخطر من افتتاح المدارس؟
ألم يصبح شاطئ البحر السوري مكاناً مفضّلاً ووجهة سياحية يقصدها مئات المواطنين يومياً من شتّى المحافظات؟
ماذا عن طوابير الخبز والبنزين والمؤسسات الاستهلاكية؟
وماذا عن حركة الأسواق والمخالفات اليومية بسبب مخالفتها للقرارات والتوجيهات بالالتزام بالحظر والحجر الصحي؟
هل أصبحت وسائل النقل التي لا يتم التعامل فيها بأدنى درجات الوقاية مشفىً متنقلاً لا يستطيع الفيروس اختراقه؟
إضافة إلى العديد من المشاهد اليومية واللامبالاة الواضحة التي نراها بالعين المجرّدة من شرفة المنزل، لم نجد أحداً يتكلّم وينتقد خطورتها، فهل باتت المدارس هي سبب انتشار الوباء فقط؟ علماً أن الدراسات العلمية من منظمة الصحة العالمية تحدّثت عن عدم تأثير الفيروس على الأطفال دون السادسة عشرة عاماً على أقلّ تقدير.
بالتالي، ومن وجهة نظر شخصية، أرى أنه من الاجحاف والمبالغة وصف قرار افتتاح المدارس بأنه غير صحيح، وذلك لعدّة عوامل أوّلها لامبالاة فئات غير قليلة من الشعب وعدم إحساسها بالمسؤولية منذ انتشار الوباء ووصوله إلى سورية، وبالتالي فهي تتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن ارتفاع عدد الإصابات، كذلك عامل افتقار العنصر التعليمي في سورية للإمكانيات التكنولوجية المتطورة التي من خلالها يستطيع الاستمرار بعملية التعليم عن بعد دون الحاجة إلى جمع الطلاب في مدرسة، كما أن الوضع الذي آلت إليه البلاد من خراب ودمار وتوقف العملية الدراسية في العديد من المحافظات لسنوات بسبب الحرب سبّب انقطاعاً وفاقداً تعليمياً كبيراً على شريحة ليست بالقليلة أبداً من أطفال سورية، وبالتالي لم يعد يحتمل التعليم تأجيلات أكثر، وعليه فإنّني لا أختلف مع الذين يطالبون بتأجيل المدارس من الناحية النظرية، ولكن عملياً وعلى أرض الواقع لا أجد أيّة جديّة منذ أشهر في التعامل مع الوباء، ففي فترة الحجر الصحي لم يلزم العديد من الأهالي أطفالهم في البقاء داخل البيوت، بل كانت الشوارع تعجّ بهم، كذلك لم يطرأ الكثير من التعديل على (السيران والرحلة) السورية المشهورة، ولا يتم التعامل بعقل وحكمة في التجمّعات سواء في مؤسسات الدولة أو خارجها، فإذاً ليست المدارس وحدها قد تكون بؤرة انتشار للفيروس، فاللامبالاة وعدم المسؤولية والجديّة من كثيرين هي أخطر وأشدّ خطراً في نشر الوباء، فحتى لو أوقفت المدارس فهل يمتنع الناس عن الذهاب إلى المطاعم والشواطئ والمنتزهات والحدائق، وهل سيلتزمون بارتداء الكمامات والأدوات الوقائية؟
أترك الإجابة لمنتقدي قرار وزارة التربية.