الحل السلمي.. وأردوغان
كتب رئيس التحرير:
تتكثف الجهود الدولية، وخاصة الجهود التي تبذلها منصة (آستانا) لوضع إطار لحل سياسي للأزمة السورية، وتصدر تصريحات روسية وإيرانية متفائلة، كان أبرزها تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف، الذي أكد فيه انتهاء الأعمال العسكرية بين المنظمات الإرهابية في إدلب والقوات المسلحة السورية، بعد أن تعهد أردوغان بالاستجابة لما تم الاتفاق عليه مع الجانب الروسي، وخاصة سحب الأسلحة الثقيلة، ولجم الإرهابيين.
من حيث المبدأ، أعلنّا نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد من خلال مقررات مؤتمرنا الثالث عشر الذي عقد في أواخر العام الماضي، تأييدنا للحل السياسي مع الأخذ بالحسبان تمسكنا بالثوابت الوطنية، التي يمكن اختصارها بالحفاظ على سيادة سورية على التراب السوري، ووحدة سورية أرضاً وشعباً، وضمان حق الشعب السوري في اختيار نظامه السياسي الديمقراطي.. العلماني وقادته دون تدخل خارجي، لكننا أعلنّا أيضاً أننا لا نثق بأردوغان، ولا بوعوده، وذلك انطلاقاً من سلوكه العدواني تجاه سورية وشعبها، لا بسبب تحريضه ودعمه للتنظيمات الإرهابية، وسرقة المحاصيل والمصانع فقط، بل من خلال عدوانه الغاشم على سورية، واحتلاله للأرض السورية.
إن براغماتية البعض، التي تظهر بهذا الشكل أو ذاك على أنها متناغمة مع التغيرات التي يشهدها العالم، والتي ظهرت بخاصة بعد محاولة الولايات المتحدة خنق سورية عن طريق العقوبات والحصار، ووضع الشروط لإتمام جهود التسوية، وفرض (صفقة القرن)، هذه البراغماتية تعني هنا: الاستسلام، بعد سنوات من مقاومة المخططات الأمريكية والصهيونية، ولا تعني أبداً مسايرة للواقع العالمي الجديد، الذي لا تقاوم العين فيه المخرز!
ونتساءل اليوم: ما الذي تغيّر في السلوك السياسي والعسكري التركي كي نثق بوعود أردوغان في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية؟ وما الثمن الذي يجب دفعه لإرضاء (غطرسة) أردوغان، وسعيه إلى إعادة الإمبراطورية العثمانية، خاصة بعد تدخله المباشر في ليبيا ومؤخراً في الحرب الأذرية الأرمينية، بالتدخل العسكري واللوجستي المباشر، وإرساله إرهابيي إدلب لمؤازرة الجيش الأذربيجاني.. ومن سيدفع هذا الثمن؟!
1-لم نلمس أي مؤشر جدي على تغيّر السلوك العدواني تجاه سورية وشعبها، الذي بدأ منذ بداية الغزو الإرهابي لبلادنا، وما زال مستمراً حتى يومنا هذا.
2- لم تتغير نوايا أردوغان ومخططاته التوسعية، ليس في سورية والعراق فقط، بل في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، واليوم في القفقاس.
3- ما زالت السياسات التركية تؤكد على إنشاء مناطق نفوذ في سورية بحجة مواجهة التنظيمات الكردية، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين.
4-لم يتخلَّ أردوغان حتى اليوم عن تدخله المباشر في المستقبل السوري، وهو يضع شروطه لإتمام العملية السياسية، رغم أن القرار 2254 أكد أن هذه العملية تجري بإدارة وملكية سورية.
5-لم ينفذ أردوغان ما تم الاتفاق عليه في لقاء سوتشي مع الرئيس بوتين، كذلك ناور في تعهداته للجانبين الروسي والإيراني في مباحثات قادة منصة (آستانا).
هل سيرضى السوريون بمناطق نفوذ تركية في الشمال والشرق السوري إكراماً لطموحات أردوغان التوسعية؟
هل سيتنازل السوريون عن ثرواتهم النفطية ومحاصيلهم، لإشباع نهم أردوغان؟؟
هل يقبل السوريون أن يصبحوا أداة بيد أردوغان لإتمام مخططه الاستباحي في المنطقة العربية بأسرها؟
واقعية السوريين، وإدراكهم لصعوبة التوفيق بين مصالح جميع المتدخلين في الأزمة السوريين، لا تعني بأي شكل من الأشكال التنازل عن الثوابت السورية التي يؤيدها شعبنا.
واهمٌ من يعتقد بذلك، فالشعب السوري الذي وقف مسانداً لجيشه الوطني الباسل في مواجهة غزو الإرهابيين المدعومين عسكرياً وسياسياً ولوجستياً من قبل تركيا، ودفع الثمن الأغلى للحفاظ على سيادة سورية ووحدة أرضها وشعبها خلال سنوات الجمر، لن يقدم بلاده على طبق من الفضة للسيد أردوغان، ولن يسوّق حلمه المستحيل بالسيطرة على الشرق الأوسط برمته، لكنه بالمقابل، يطالب حكومته بمساعدته على مواجهة أردوغان وجميع المحتلين، وذلك بتأمين مستلزمات هذه المواجهة، وهي تخليصه من معاناته المعيشية والاجتماعية، التي أصبحت كابوساً مرعباً بعد أن ارتفعت أسعار جميع المواد والخدمات، وتراجعت أجوره الحقيقية، وتحول إلى خانة الفقر والفقر المدقع، وأصبح وحيداً في مواجهة هوارين السوق وحيتانه، بعد أن تخلت الحكومات عن دورها الراعي للفئات الفقيرة والمتوسطة.
لن يتخلى شعبنا عن ذرة تراب واحدة، ومن واجه أعتى مجرمي الحرب عشر سنوات، واستعاد معظم الأرض السورية، سيقاوم الاحتلال التركي والأمريكي والصهيوني للأرض السورية، سياسياً.. وعسكرياً،أما سورية الساعية إلى إنهاء أزمتها،والمتطلعة إلى مستقبلها الذي نريده ديمقراطياً.. علمانياً.. تقدمياً، فلن تكون إلا سيّدة.. وموحدة أرضاً وشعباً.