مشكلة الحكومة السورية الجديدة
صفوان داؤد:
بعد مضي قرابة 50 يوماً على مباشرتها أعمالها، هل يمكن القول إن التشكيلة الوزارية الجديدة أفضل مقارنة بالحكومة التي سبقتها؟ الحكومة المكونة من 29 وزيراً، بينهم 15 وزيراً كانوا في الحكومة السابقة، حافظت على التوجه العام في سيطرة الحزب الحاكم على معظم الحقائب الوزارية إلى جانب آخرين من أحزاب الجبهة الوطنية التقدّمية، كما حافظت على برنامج عام للمرحلة القادمة أقل ما يقال عنه إنه ضحل وغير واضح. وتعدّ هذه الحكومة الخامسة منذ اندلاع الأزمة السورية، ومن المفترض أن تستمر بضعة أشهر حتى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وبعدها تُعد بحكم المستقيلة بحسب المادة 125 من الدستور السوري.
تولت هذه الحكومة مهامها في ظروف هي الأسوأ في تاريخ سورية، مع فرض واشنطن منذ أيام حزمة عقوبات جديدة بموجب (قانون قيصر)، طالت 17 شخصاً وكياناً في البلاد، بالترافق مع وضع متأزم في لبنان؛ الخاصرة الاقتصادية لدمشق، إضافة الى الأعباء المحلية التي ترتبت عن وباء كوفيد-19. وهناك ضغوطات هائلة على الاقتصاد السوري مع تراجع مضطرد في الإيرادات العامة، خاصة من الثروات المعدنية، إضافة إلى تناقص فوائض الضرائب والرسوم وأرباح الشركات العامة؛ حيث تراجع نصيب الإيرادات من الناتج المحلي الإجمالي بحسب (المركز السوري لبحوث السياسات) من 25.4% في عام 2011 إلى 7.4% في عام 2019. ومن المرجح في هذه الظروف أن تتصاعد الأزمة الاقتصادية دون حلول واضحة في المدى المنظور. وتحمل هذه الحكومة حملاً ثقيلاً خلّفته الحكومات السابقة من تأمين الاحتياجات الأساسية للبلاد عبر زيادة الدين العام والاعتماد المفرط على الحلفاء، ما أدى إلى انكشاف الاقتصاد السوري والوقوع فريسة الحاجة لهم. كما أن استمرار العمل في السياسات التي لا ترقى إلى مستوى القدرة على وضع الحلول والمضي باستراتيجية أقل ما يقال عنها إنها تأزيمية أدى إلى زيادة نسبة الفقر المدقع وترهل أو توقف نشاط المؤسسات العامة في الدولة.
من الناحية الشكلية كان بعض الوزراء الجدد شفافاً في الحديث عن مشاكل وزارته، والبعض الآخر تناول تطلعاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن اهتمام الشارع السوري بإعلان التشكيلة الجديدة كان منصباً في الرغبة الجامحة للتغيير أملاً في تحسن الأوضاع وعلى وجه الخصوص الاقتصادية منها. لكن كما يُرى على ارض الواقع هناك حالة من الإحباط واليأس خاصة مع تفجر أزمتي البنزين والخبز كفاتحة لبداية عمل هذه الحكومة الجديدة. وعبَّرَت بعض الأسماء في الحكومة عن رغبتها في تغيير النهج البيروقراطي السائد، لكن النسق العام لأعضاء الحكومة عكس البنية الحقيقية للوزارة الجديدة؛ بنية ليبرالية آخذة بالتبلور بقيادة قوة متنامية للوبي من رجال أعمال حديثي النعمة، واضح أنه يتعامل مع الوضع الاقتصادي والسياسي المحلي دون خطط أو برامج، مُشكَّلاً حالة حقيقية طاردة للرساميل السورية المهاجرة والمغتربة، وتمنع دخول أي رأسمال دون مشاركته عنوة، وهي بعيدة كل البعد عن الدعوة إلى بناء عقد وطني جامع، ما يجعل هذه الحكومة نسخة عن سابقاتها في رؤيتها الجامدة للوقائع المُلحّة داخل البلاد والمتغيرات شديدة الخطورة، والتي من الواضح أن حلّها لن يأتي إلا عبر مسار سياسي يتبنى آليات ديمقراطية واضحة واستراتيجيات مسؤولة وواقعية. والحال أن كل النظريات السياسية والاقتصادية لها عيوبها ومكامن للقوة فيها، وأن لكل دولة خصائصها وظروفها، ولن يستطيع أحد التفاضل بينها إلا عبر أجندات محلية حوارية شفافة وبرامج اقتصادية واجتماعية شديدة الوضوح وقابلة للمساءلة، لأنه بغير هذا السياق، الحكومة الحالية كما الحكومات التي يمكن أن تأتي مستقبلاً، هي أمام واقع مضطرب للغاية المستفيد منه لوبيات محلية ناشئة أو ستنشأ عن نسق رأسمالي ريعي مدعوم سياسياً يمكن أن يستولي على القطاعات الانتاجية المحدودة أصلاً، بعد خروج القسم الأكبر منها عبر اتفاقيات رسمية مع دول خارجية. وإذا ما تحقق ذلك فنحن أمام سيناريو خطير ووضع غير مألوف على المجتمع السوري، من أبرز نتائجه أزمات متراكمة وتمايز طبقي حاد، ونقص عام للمواد الأولية. ومع الإعلان الأولي لمشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2021 البالغة 8500 مليار ليرة، وهي الأضخم في تاريخ سورية قياساً للعملة السورية، فإن هناك ترجيحات عالية لدخول البلاد في نطاق (التضخم الجامح) بحيث يرتفع وفقه معدل التضخم بأكثر من 50% على أساس شهري، ما يعني في المحصلة ارتفاعاً مطّرداً في سعر الصرف والمعدل العام للأسعار ودخول فئات مجتمعية أكثر في حالة الفقر المدقع. في خضم كل ذلك تبدو الحكومة الجديدة خاضعة لإيديولوجيا جامدة وليس لديها الجرأة في معالجة جذر جميع المشاكل المتعلقة بالأزمة السورية، المتمثلة في الخلل العميق في البنية السياسية للدولة ومسألة تداول السلطة وإعادة إحيائها.