الخمر الأخضر بين العادة والإدمان.. أسباب ارتفاع ثمنه وانقطاعه
أنس أبو فخر:
المشروب الذي غزا سورية مع مطلع القرن العشرين، والذي جاء من العالم الجديد وتحديداً من الأوروغواي والأرجنتين في أمريكا الجنوبية، له طقوسٌ خاصة في تناوله وتحضيره وقد تختلف من منطقة إلى أخرى، لكن القاسم المشترك دائماً هو أنه ضرورة يومية تلازمك، كذلك عدم مقدرتك على الامتناع عنه أحياناً.
المتة هي المشروب السحري في بعض المحافظات السورية خصيصاً الجنوبية والساحلية، وقد شَغِل مركزاً مرموقاً كمادّة غذائية عانى السوريون من انقطاعها بين حين وآخر، وكذلك ارتفاع سعرها بشكل غريب، إلّا أنهم لم يتخلّوا عنها بالرّغم من تأثيرها السلبي على الجانب المادّي ودخل الأسرة، إذ إن ثمنها تجاوز الألفي ليرة سورية منذ بضعة أشهر مضت متزامناً مع انقطاعها من السوق، ومع هذا استمر عشّاقها في البحث عنها واستقصاء أثرها بين محل تجاري وآخر.
بمعدل متوسطيّ يستهلك البيت السوريّ عبوة كل يومين أي ما يعادل 22500 ل.س كل شهر بالحدّ الأدنى، وهذا رقم يُعتبر كبيراً خاصّة أن ما يزيد عن 80% من الشعب السوري يرزح تحت خط الفقر. دخلت هذه العشبة السحرية حلبة الصراع الاقتصادي، فقد كانت ورقة ضغط على المُحتكرين من التجار لها عند مقاطعتها لفترة قصيرة، وهذا تكرّر عدّة مرّات في السنوات الأخيرة التي شهدت هبوط الليرة أمام الدولار وتزعزع الحالة الاقتصادية في البلاد، فكانت بوابة النجاة للشعب هي حملة مقاطعة لها تُرغم كبار التجّار على طرحها في السوق من جديد مع تخفيض ثمنها قليلاً، ولكن يبقى السؤال الأبرز: ما سبب ارتفاع ثمنها المستمر وانقطاعها بين الحين والآخر؟
الرقم 25 كان آخر سعر لمشروب المتة (بيبوريه تحديداً) قبل اندلاع الحرب في سورية ربيع عام 2011، ولم ينتهِ هذا العام حتى شهد السوق ارتفاعاً بسعر العبوة فوصل إلى 35 ل.س، وجاء هذا بعد التأثير الطفيف على سعر صرف الدولار، تلاه اختلال الوضع الأمني وتعرّض منطقة يبرود معقل تخزين المتة في ريف العاصمة دمشق لأضرار ناتجة عن تأزّم الصراع في سورية، ما سبب انقطاعها من السوق بشكل مفاجئ. ومع مرور الوقت وانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار استمرّ سعرها بالصعود بشكل ملحوظ، لكنّه بقي بالحدّ المعقول. الانقطاعات المتكررة بين الحين والآخر كانت بمثابة رسالة للتجّار تذكّرهم بأهمية هذه المادّة بسبب الإقبال الشديد من المستهلك عليها وكثرة السؤال عنها في المحال التجارية، وهذا ما استغلّه كبار التجّار في سورية فبدؤوا بتخزين كميات كبيرة من المتة في مخازنهم دون طرحها في السوق، وذلك لرفع ثمنها وتحقيق الأرباح الأكبر مُستغلين رغبة المستهلك الكبيرة في شرائها مهما كان الثمن، ومع تدحرج كرة الثلج أي الصراع وأخذه شكل الحرب الأهلية المُسلّحة باتت الأعذار عند التجّار تزداد سواء في رفع سعرها وقطعها عن السوق، لاسيما مع التدهور المستمر لليرة، وزاد على الأمور تعقيدات جمّة تمثّلت بالعقوبات الإقتصادية التي فُرضت على سورية والتزام أصحاب البواخر بمعاهدات دوليّة أجبرت المستورد السوري على نقل البضائع عبر ثلاث مراحل، فأصبحت تصل إلى إيطاليا ثم بور سعيد في مصر ثم سورية عوضاً عن وصولها بشكل مباشر للموانئ السورية، ما ساهم برفع تكاليف النقل وانعكس ذلك على سعرها، كذلك احتكار التجار واستغلالهم حاجة الشعب لها وانحصار الاستيراد بشركة واحدة مهيمنة على الساحة في استيراد المتّة ممّا أعدم وجود مستورد بديل قادر على تخفيف المشكلة.
بين العادة والإدمان.. وهل تستحق هذه النبتة هذه الأسعار؟
يعتبر البعض أن المتة تصبح مع الوقت عنصر إدمان عند مُحبيها، مُعللاً ذلك بعدم قدرة روّادها على الامتناع عن تناولها، كذلك يُثير البعض إشاعات وفرضيّات يعتبرون من خلالها أنها تحتوي على مواد تُسبّب الإدمان، لكن هل هذا صحيح؟
يُجيب على هذه التساؤلات الطبيب النفسي (د. تيسير حسون) في حديث له لجريدة تشرين، فقد أكدّ أن في هذه المادة إدماناً فردياً وطقساً اجتماعياً في آن واحد، إذ إنها من أكثر المشروبات التي تجمع الأصدقاء والأهل حولها، وتوّفر طقساً لا تُحقّقه باقي المشروبات، كما أنّ احتوائها على نسبة لطيفة من الكافيين يساعد في التخلّص من الصداع، وتُساهم بشكل غير مباشر في توازن السوائل في الجسم، مايجعل توفّرها مصدر ارتياح للكثير من مُحبيها، وانقطاعها يسبّب تذمّراً وقلق، فهي عادةٌ أكثر من أنّها إدمان، والإنسان لا يمكنه أن يُقلع عن عادة مُعيّنة إذا لم يقتنع بضرورة الإقلاع عنها.
أما الباحث والمحاضر في الشؤون الصحية الدكتور صفوح السباعي، فقد تحدّث عن بعض المشروبات الطبيعية والعشبية كالتبغ والأركيلة بأنها تُسبّب نوعاً من الإدمان لوجود مواد مجهولة فيها، ومع الوقت يُصبح المرء غير قادر عن الاستغناء عنها، لتأثيرها على الجملة العصبية المركزية والمراكز العصبية النفسية ومراكز التحكّم بالجهاز العصبي عند الإنسان، لذا فالكثير من المشروبات والمأكولات والسكاكر تُسبّب اعتياداً لدى البعض قد يصل لمرحلة عدم القدرة على الابتعاد عنها، يمكن أن يكون هناك مشكلة بتلك المنتجات ما يجعل للامتناع عنها انعكاسات نفسية كالأرق والتعب، وقد حدث في العديد من الدول أن وجدوا موادّ مُنشّطة ومُخدّرة في عدد من المنتجات أكثرها في الشوكولا والشيبس.
وللمتة فوائد ومضار حالها حال أي نبتة عشبية في قليلها منفعةً وفي كثيرها مضرّة، ويذكر موقع (طب ويب) العديد من فوائد المتة وبأنها تساعد على خفض الوزن الزائد حسب دراسات أُجريت عليها لدورها في كبح الشهية، كما أنها تحتوي على مجموعة من المركبات الصابونية والتي لها خصائص طبيعية مُضادّة للالتهابات، وأيضاً تحتوي على نسبة عالية من مضادّات الأكسدة مثل فيتامين C ما يُعزّز المناعة في الجسم، كما تُساعد على تحسين صحة القلب وذلك لاحتوائها على نسبة لطيفة من الكافيين، كما لها فوائد أخرى كتقوية العظام وخفض مستويات السكر في الدم وتعزيز نسبة السوائل في الجسم استناداً لنتائج الدراسات والابحاث الأخيرة، وفي المقابل فإن الإفراط في تناولها له مضار قد تصل لمراحل خطرة مثل القلق وارتفاع ضغط الدم والصداع، كما أنها تلعب دوراً في تسبّب السرطانات في الجسم خاصةً في الجهاز الهضمي والمثانة.