هل انهيار صناعة الدواجن في سورية بات وشيكاً؟
صفوان داؤد:
تشهد معظم المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً في أسعارها في السوق السورية وسط ازدياد نسبة الفقر وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. لم تنجُ أسعار الفروج من موجة الارتفاع هذه وسجل في الأسابيع الماضية قفزة بنحو 100% من سعره. ورغم أن المجلس الاستشاري للدواجن في سورية قد حدد سعر الفروج عند سقف معين، إلا أن اسعاره في السوق هي أعلى بكثير من ذلك، وهذه الاسعار تخالف أيضاً ما نشرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عبر صفحتها الرسمية في «فيس بوك».
هذا الانفصال عن الواقع بين وزارة التجارة الداخلية وبين السوق أصبح مألوفاً وسمة من سمات قرارات مسؤوليها. ويقول منتجو الفروج إن التسعير في سوق الدواجن يتم بشكل أساسي من قِبل التجار وأصحاب معامل الأعلاف، لأنهم المورّدون الأساسيون لمستلزمات الإنتاج. ويقول المربون إن قلة توفر اللقاحات والأدوية، كذلك ارتفاع ثمنها قد ساهم خلال الأشهر الماضية بزيادة أعباء الإنتاج بشكلٍ كبير. وذكر عدد من تجار سوق الفروج، أن عمليات التهريب المستمرة لأمهات الدجاج إلى لبنان على مرأى من الجهات الرقابية قد ساهم أيضاً في ارتفاع سعر هذا المُنتج. لكن يبقى سعر العلف العامل الحاسم في أسعار الفروج، ويشكل سعره 75% تقريباً من سعر الفروج، وتجاوز سعر الطن منه في السوق السورية عتبة المليون ليعود ويستقر حالياً عند حدود 850 الف ليرة سورية. وبحسب العاملين في هذا القطاع، إن متوسط حجم استهلاك الدواجن للأعلاف يتراوح بين ٤ الى ٤٫٥ كيلوغرام خلال فترة نموه المقدرة بنحو 45 يوماً وتشكل الذرة وفول الصويا نحو 85% من تركيبة الأعلاف.
يُذكر أنه خلال ثمانينيات القرن الماضي قامت وزارة الزراعة بإنجاز عدة تجارب على إنتاج الذرة الصفراء ونجحت نجاحاً باهراً، ووصل إنتاج الهكتار عام 1994 في محافظة الرقة الى 1900 كغ/هكتار، وهي نسبة تقارب النسبة الأعلى المسجلة في الولايات المتحدة. لكن لأسباب غير معروفة تم توقيف هذه التجارب وأُخرجت زراعة الذرة من الخطط الخمسية للانتاج. وقد أعطت مثل هذه القرارات غير المنطقية رغم مرور عقود عليها، ثمارها السلبية، فقد حذر مدير عام المؤسسة العامة للدواجن، في مقابلة معه في صحيفة «تشرين» الحكومية الى تعرض سوق الدواجن لصعوبات جمّة، وقال إن حوالي 60% من مربي الدجاج توقفوا عن ممارسة نشاطهم، نتيجة الأعباء الكثيرة التي طالتهم. من جانب آخر صرح رئيس شعبة التربية والإنتاج في زراعة حماة أن 1026 مدجنة توقفت عن العمل نتيجة تعرضها للتضرر بسبب غلاء تكاليف الإنتاج. وفي اللاذقية الأمور أكثر سوءاً مع فرض أشخاص ذوي نفوذ أتاوات على المداجن، مادفع بعض اصحاب هذه الدواجن الى الإغلاق. وذكر موقع سبوتنيك الروسي قي حزيران الماضي عن احتمالية كبيرة لانقراض صناعة الدواجن في سورية وفقدان سلعة الفروج المحلي من السوق السورية.
وكانت قد أقرت الحكومة تخفيض الرسوم الجمركية للأعلاف المستوردة من 5% إلى 1%، وأبرزها فول الصويا والذرة الصفراء العلفية وأنواع أخرى من البذار المكملة للأعلاف. لكن هذا التدخل الايجابي الباهت من قبلها ضاع مع إصدار المصرف الزراعي في سورية قراراً يقضي بتوقيف القروض التي كان تُقدم لمربي الدواجن، ثم تلاها انسحاب المصرف المركزي شهر حزيران الفائت، من تمويل مستوردات الأعلاف ومستلزمات إنتاج الدواجن وإلزام تعامل المستوردين بسعر ليرة 1250 للدولار بدلاً من 700. لتبدو هذه القرارات وكأنها مصممة خصيصاً لتدمير صناعة الدواجن في سورية، مع غياب كامل لوزارة الزراعة عن المشهد. لكن هذا الإطار العام الذي يبدو وكأنه ممنهج قد يظهر له تفسير عندما نعلم ان أحد المتنفذين الكبار حديثي الظهور في السوق السورية قد أوكلت له مهمة استيراد الفروج الى سورية. وهذه المادة المستوردة تُضاف الى صنف ثاني من مادة الفروج مجهولة المنشأ والصلاحية معروفة باسم “نتر” موجودة في الاسوق حالياً، وتتغاضى عنها الجهات الرقابية مقابل رشاوى سخية. في ظل هذا الوضع السيئ يبدو أن اقتصاد الظل في سورية وعمليات احتكار المستوردات في يد قلة من تجار الواجهة قد يكون السبب الحاسم لانهيار صناعة الدواجن في سورية قريباً. يذكر أن صناعة الدواجن في سورية كانت توفر قبل عدة أشهر فرص عمل بشكل مباشر وغير مباشر لنحو مليون سوري، وتؤمن نحو نصف إجمالي استهلاك السوريين من اللحوم، وهذه المادة الأساسية لحياة الانسان أصبحت غير متاحة لقسم كبير من المواطنين السوريين، وربما ستصبح قريباً حلماً لهم.