التضليل والضلالة و ضرورات التصويب

الدكتور سنان علي ديب:


لم نُفاجأ بما يصدر عن الأمم المتحدة من أرقام وتحليلات و تهويلات لأننا تعودنا على ذلك من قبل الأزمة، إذ كان هناك تضخيم بالأرقام بما يتماشى مع مصالح الدول المسيّرة لها والمبرمجة لها، فتضخيم الأرقام وتسويقها الإعلامي الضخم هو الفعل عندما تكون السياسات الاقتصادية والاجتماعية تتماشى مع برامجهم والتي كانت تسمى الإصلاح الاقتصادي و الإصلاح الهيكلي، والتي تدعو لتنفيذ شروط البنك الدولي الداعية لتقصير يد الحكومات عن التدخل في الاقتصاد عبر مقولات (السوق تنظم نفسها) وكذلك: (دعه يعمل دعه يمر). فعندما تقوم الدولة برفع ما سُمّي الدعم والخصخصة وتصفير الرسوم الجمركية ورفع الضرائب وزيادة مشاركة الخاص في العمليات الاقتصادية، ما يواكب بتكبير أرقام النمو وتصغير أرقام البطالة والفقر للتشجيع على الاستمرار بتطبيق وصفات لا تحترم الخصوصيات، ولكن عندما تقاوم الدول هذه الوصفات تقوم المؤسسة العالمية وأدواتها برسم أرقام لإظهار خلل واضح بإدارة الاقتصاد والحاجة لإعادة الهيكلة وتغيير البرامج الاقتصادية بما يناسب برامجها المختومة بالختم الأمريكي وذلك لصنع أدوات تابعة غير حكومية .
و قد سايرها بذلك إعلام تابع لهذه الشخصيات ولقلب الرأي العام المعارض لهذه التغييرات الجوهرية، وبعد ذلك تنتقل الضلالة عبر تضليل مشابه لتهويل الرأي العام ليتمرد على الاوضاع والأجواء وليكون قطار تغيير لا يناسب البلد ولا يتقاطع مع رغبات أهله، وليناصر الشخوص المصنوعة ويزيد تمركزها ومكانتها وما جعلنا نغوص بتضليل كهذا،
(السلبية للضلالة) التي تراد منه وخاصة في الظروف الصعبة التي نمر بها، فعام ٢٠١٣ توقعت الأمم المتحدة حدوث مجاعة في سورية مستندة على حجم الدمار الذي لم يترك قطاعاً إنتاجياً إلا وأصابه، من معامل ومدن صناعية ومراكز طاقة ومراكز توليد كهرباء وطرق وجسور وعدة ملايين من الأبنية، وحرق وسرقة محاصيل وقطع أشجار وتلويث تربة، ووصل حجم الدمار ما يفوق ٥٠٠ مليار دولار، وما يفوق مليون شهيد وأكثر من مليون معاق وجريح، وهجرة مئات الآلاف من الكفاءات والشباب وقد فوجئوا بالصمود الأسطوري رغم الحصار والعقوبات، وتعود المكنة الإعلامية لتصور سورية من أفقر البلدان عالمياً من مدة أيام وتوقعوا وصول حوالي ٩.٥ ملايين في المجاعة أو تحت خط الفقر المدقع والذي يحدد بدولار ونصف يومياً للفرد مع توقع انهيار الاقتصاد اللبناني.
وذلك مترافق بتطبيق قانون قيصر وبحملة إعلامية همها الضغط على سورية لفرض أجندة حلول لم ولن يقبل بها الشعب كالتقسيم أو الفدرلة، ومماهاة ما فرض على العراق بعد الاحتلال الأمريكي.
ومن الطبيعي أن تتقاطع المسببات للوصول إلى ما نحن عليه، فحيتان الفساد والذين لعبوا بسعر الصرف وضاعفوا الأسعار، وعقوبات إرهابية أمريكية واحتلال منابع النفط، ومضاربات وعقوبات على المصرف المركزي، وإرهاب الدول للسير بها بشكل غير شرعي وإعلام رهيب لتقويض أي أمل.
ولتكون هذه التوقعات والتصريحات التي سُرّ بها البعض كما صفقوا لما سمي قانون قيصر الذي لن يؤثر إلا على الشعب ويزيد معاناته، وكذلك على الدول الخليفة.
وبرأينا كما الطبيب يشخص المرض يجب أن يضع العلاج، فحريّ بالأمم المتحدة أن تقوم بدورها الإنساني لتقويض عقوبات فرضت رغماً عنها ومواجهتها عبر الإعانات والمساعدات ومنع المجاعة من أن تجتاح بلداً اُعتدي عليه وعلى أهله من قبل دول مارقة وبمساعدة أدوات إرهابية صنعت بمطابخهم، وأن تبتعد عن أيّ دور يجعلها غير شرعية ويبعدها عن مهامها.
فالمجاعة التي يتكلمون عنها لن تكون ما دامت كل مقومات العودة الاقتصادية موجودة وأثمرت وخاصة بالمجال الغذائي وأغلب الصناعي للحاجات الضرورية وحتى مع تطبيق قيصر، ولكن حسب ما يسرب تطبيق القانون الإرهابي تجاوز ما صرح عنه حتى ليمنع التحويلات وقد يصل إلى منع الغذاء وغيره إن لم يكن بالقرصنة فبتجفيف المنابع.
وبالتالي ضمن أداء كهذا إن تجاوزنا المطبات فهذه المؤسسات تضلل لتوصيل ضلالة المجاعة لأغلب الشعب للاستثمار اللاإنساني ولتكريس الاحتلال.
للأسف من سنوات قلصت هذه المؤسسات حجم المساعدات الإنسانية لسورية وهي على دراية بمقدار الحاجة وكذلك على المهجرين.
التضليل حالة لا أخلاقية والضلالة الناجمة عنها لا إنسانية تخالف الدور المنوط بالمؤسسات الدولية التي أنشئت للعدالة الدولية ومواجهة الفقر وزيادة الرفاه الإنساني.
ورغم ذلك، في حال توفر النوايا والإرادة ولو تآمر الكون أجمع لن يستطيعوا فرض أجنداتهم ولا يستطيعون المشاركة بتجويعنا أو تركيعنا.



العدد 1104 - 24/4/2024