دعم الزراعة بتخفيض أسعار المشتقات النفطية.. هو السبيل الوحيد الآمن لمواجهة الأزمة الاقتصادية وقانون قيصر

محمد علي شعبان:


تمرّ سورية بأزمة اقتصادية خانقة، ولها تداعيات خطرة على جميع المواطنين السوريين بشكل عام، وعلى الفقراء بشكل خاص، وخاصةً بعد تطبيق قانون قيصر، سيّئ الذكر.

لكن دون تهويل من بعضهم، وتهليل من بعضهم الآخر، وتحليلات متباينة، تهدف إلى تضليل الفقراء عامةً، لابدّ من الاعتراف بأسباب الأزمة بغية العمل على التخفيف من آثارها، ومحاولة تجاوزها.
وهي تقسم إلى قسمين:

أسباب داخلية، وأسباب خارجية.
ومن دون البحث في الأسباب الخارجية التي يعرفها الجميع، وليس بمقدورنا فعل أيّ شيء في مواجهتها الآن سوى عدم الرضوخ والاستسلام لأعداء الوطن الذين يمارسون الضغوط والحصار بغية تحقيق أهداف سياسية، يتمكنون بها من إضعاف دور الدولة السورية، وفرض إملاءاتهم عليها من أجل أمن الكيان الصهيوني، في المقام الاول، وإقامة تطبيع معه أسوة ببعض الدول العربية، وتحويل الدولة السورية لدولة ضعيفة تابعة أسوة بباقي الدول التابعة لسياساتهم، في المقام الثاني، وقطع أيّ علاقات تربطها بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحزب الله اللبناني، في المقام الثالث.
وبالعودة للأسباب الداخلية، لابدّ من البحث عن أسباب الأزمة، وتدهور القيمة الشرائية لليرة السورية.
لقد بدأ انخفاض قيمة الليرة السورية منذ أن أقدمت الحكومة السورية على رفع سعر المشتقات النفطية في بداية الأزمة السورية.
وأصبح واضحاً لجميع السوريين أن ارتفاع أجور النقل، وارتفاع أسعار أكثر من 200 مادة، كان مترافقاً مع ارتفاع المشتقات النفطية وخاصة المازوت، الذي يعتبر المادة الأساسية وعصب الحياة الزراعية التي يعتمد الفلاحون عليها في جميع أعمالهم الزراعية، من حراثة الأراضي وزراعة المحصول، وما تحتاجه الأرض الزراعية من أعمال أخرى، وصولاً إلى الحصاد والتسويق.

لقد نشرت مقالاً في جريدة (النور) سابقاً، تحدثت فيه بالتفصيل عن معاناة الفلاحين نتيجة غلاء المازوت، باعتبار أن الزراعات الصيفية عامةً، تحتاج للسقاية، ويستخدم الفلاحون محركات الديزل لهذه الغاية.
لذلك تعتبر مادة المازوت أساسية في دعم الزراعة وتطويرها، وقدمت تفصيلات دقيقة عن الكلفة الزائدة التي أضيفت على تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع سعر مادة المازوت.

أما الآن فسأكتفي بذكر بعض الأشياء التي تخدم الفكرة، التي أرغب بتقديمها.
إن كلفة حراثة الدونم الواحد التي ارتفعت من 60 ليرة سورية قبل الأزمة وقبل غلاء مادة المازوت، أصبحت الآن 6000 ليرة سورية، أي ما يقارب مئة ضعف.
كما ارتفع سعر كيس السماد سبعين ضعفاً أيضاً، وذلك بسبب غلاء مادة المازوت، والعديد من المواد المتأثرة بارتفاع سعر المشتقات النفطية.
كما أن ارتفاع أجرة حصاد الدونم الواحد ارتفعت من 200 ليرة سورية إلى 10000 آلاف ليرة سورية، أي ما يقارب خمسين ضعفاً، رغم أن سعر لتر المازوت لم يرتفع أكثر من عشرة أضعاف، والدونم الواحد لا يحتاج إلى أكثر من ثلاثة ليترات سواء للحراثة أو للحصاد.
فهل يتقبل العقل هذا الارتفاع؟
ذكرت هذا لأقول: (إن ارتفاع سعر المازوت لم يقدم للدولة 2% مما خسره المزارعون والقطاع الإنتاجي الأهم في سورية).
وإن ارتفاع أسعار المواد لم يستفد منها سوى التجار الذين جنوا ثروات هائلة خلال فترة قصيرة من الزمن، فقد تضاعفت أرصدتهم آلاف الأضعاف، وتضخمت ثرواتهم آلاف الأضعاف أيضاً.
لقد دفع ضريبةَ الغلاء جميعُ الفقراء من أبناء الوطن، والمؤسف ليس لميزانية الدولة.
إذ إن فارق الأسعار التي دفعها الفقراء للتجار، هي مئات الأضعاف عما يجب دفعه انسجاماً مع غلاء المشتقات النفطية.
كما ارتفع سعر المواد البلاستيك ما يقارب مئة ضعف.
وهل ينسجم هذا الرقم مع ارتفاع سعر برميل النفط الخام؟!
وهل يعقل أن يكون سعر كيلو الزيت الخاص بالمحركات ضعفي سعر كيلو زيت الزيتون الأصلي؟!
لذلك يجب التنبّه إلى أن القطاع الزراعي بسورية، وحده، هو الكفيل بوقوف الدولة السورية على أرضية صلبة، تتمكن من خلاله من مواجهة التحديات والعقوبات الاقتصادية، المفروضة من قبل الدول الرأسمالية المعادية لشعوبنا، وفي مقدمتهم الإدارة الأمريكية.

لذلك، لابدّ من إعادة النظر، بتخفيض أسعار المشتقات النفطية، وفي مقدمتها مادة المازوت التي تعتبر العصب الأساسي في عودة الزراعة والإنتاج الزراعي، إلى ما كانت عليه قبل الأزمة حين كانت سورية تصدر منتجاتها الزراعية لدول الجوار.
إن توقف العديد من الزراعات وخاصة الاستراتيجية منها (كالقطن والشمندر السكري والصويا والذرة الصفراء وعباد الشمس) جعل الصناعات الزراعية متوقفة (كمعامل الغزل والنسيج، والسكر، ومعامل الزيوت) وغيرها من المعامل المتوسطة، وأصبح عمالها يشكلون عبئاً على الاقتصاد الوطني، إذ كانت تقدم للاقتصاد العام أرباحاً طائلة، وتؤمن فرص العمل للعديد من العمال.
وهي الآن في حالة توقف نتيجة توقف الإنتاج الزراعي الذي كان يقدم المادة الخام لتلك المعامل.
والسبب في ذلك هو ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، التي دفع الفقراء ضريبة ارتفاعها، وحصد التجار أضعافاً مضاعفة من الأرباح كانت الدولة هي الأحق بها. وهم الآن يتنمرون ويفرضون شروطهم الاحتكارية للعديد من المواد الضرورية، عوضاً عن تحملهم المسؤولية الوطنية بدعم الليرة السورية، ومساعدة الفقراء للوقوف على قدميهم، في لحظة تاريخية قد لا تتكرر بالتاريخ الحديث.

إن الوقوف بين خيارين أحلاهما مرّ، أي (بين زيادة الأجور بما ينسجم مع موجات الغلاء المتكررة من جهة، وتخفيض أسعار المواد، من أجل الحفاظ على قيمة الليرة السورية من جهة ثانية).
أعتقد أن بمقدور الدولة السورية رغم الظروف الصعبة التي تمر بها تخفيض مادة المازوت إلى أقل من خمس ليرات سورية للتر الواحد، ما دامت تحقق تخفيض أسعار لمئتين مادة نتيجة ذلك.

إن هذه الخطوة تحافظ على قيمة الليرة السورية، وتخفض أسعار المواد التي تتجاوز الثمانين بالمئة من حاجات المواطنين باعتبارها إنتاجاً محلياً ولا حاجة لاستيرادها من الخارج، ما دام يمكن إنتاجها محلياً.
بيد أن المواد المتبقية والتي تحتاج الدولة إلى استيرادها مهما ارتفع سعرها لن تشكل عقبة حقيقية، فيما إذا تبنت الدولة استيرادها بآليات جديدة ورقابة صارمة تمنع تجار الأزمات من التحكم بها. والمعروف عند جميع السوريين أن الدولة ومؤسساتها هي الأكثر ثقة وائتماناً من القطاعات الخاصة على حياة المواطنين الفقراء.
فهل سنشهد اهتماماً خاصاً بدعم القطاع الزراعي، وتأمين مستلزمات الزراعة من قبل الدولة وفك أيادي تجار الأزمات من حول رقاب المزارعين السوريين، وتقديم مادة المازوت مجاناً أو بأسعار رمزية، لتعود أرضنا خضراء كما كانت في جميع فصول السنة، في السنوات السابقة، قُبل اندلاع الأزمة السورية.
وتقوم الدولة بالرقابة الحقيقية على جميع الأسعار، وتعود الدولة قوية كما نتمنى، لتصبح الملاذ الآمن لجميع أبنائها.
وليس خافياً على أحد أن ارتفاع الرواتب والأجور هي خطوة غير صحيحة مقارنةً بتخفيض أسعار المواد، ولو اقتضى الأمر تقديم مادة المازوت بالمجان، باعتبارها عصب الإنتاج الزراعي الذي يحقق الأمن الغذائي في هذا الزمان الصعب.


العدد 1102 - 03/4/2024