صرخة شعب عقلانية في مواجهة الحصار الأمريكي و(قانون قيصر)
رزوق الغاوي:
المواطن السوري الواعي لما يدور حول بلده وشعبه، بات يدرك أنه كلما اشتدت الضغوطات الأمريكية والغربية على سورية وشعب سورية، تشتدّ الأزمة المعاشية التي يعاني منها هذا الشعب، ما يعني أن ثمة معادلة تتساوى فيها المعاناة مع الضغوط حيناً، وتفوقها أحياناً، وعلى الرغم من تذمره من الفاقة التي يعيشها، فالبعض القليل من هذا الشعب يحمّل العقوبات الأمريكية مسؤولية المعاناة، في حين يطالب بعضٌ آخر وهو كثير، أصحاب الشأن بالتصدي لتلك العقوبات حسب ما يقتضيه الأمر من إجراءات إسعافية سريعة تخفف بعضاً من معاناة شعب ضحى ويضحي ولايزال دفاعاً عن وطنه وعن كرامته الانسانية وسيادته الوطنية.
والمشكلة هنا، أن الشعب السوري على اختلاف وعيه وثقافته وتباينها أحياناً، غائب تماماً عن وجود حلول حكومية (إسعافية) كفيلة بإخراجه من حالة بؤسه المعاشي الراهن، هاجسه وقلقه وهمّه الأول والأخير هو إنقاذه من هذا البؤس، حيث تبقى المعاناة معاناة، وتبقى الفاقة فاقة، ولا يشعر بالألم إلا صاحبه، فالجوع قد يستهلك صبره، ويستهلك مناعته الوطنية، ويستهلك قدرته على التضحية، ولن تفيده، ولو مؤقتاً، عبارات التنظير السياسي أو الاقتصادي.
صحيح جداً أن الجوع كافر، وأن التجويع أكثر كفراً وظلماً، لكنه في حقيقته المطلقة، وهذا ما ينبغي أن يؤخذ بالحسبان، أن تصنيعه بات هدفاً استراتيجياً للرأسمالية الأمريكية المتوحشة باعتباره يُشكل أسهل الطرق المجانية غير المُكلِفَة نحو خلق جيل جديد يمارس ثقافة الفساد والإفساد والاستسلام لرموزه، وانعدام الأخلاق والمثل الانسانية، واحتراف الجريمة المنظمة، وإدمان اللصوصية بمختلف سبلها وأشكالها، ما قد يؤدي حسب رغبة واشنطن إلى انهيار المجتمع الذي طالما تغنّينا بتميزه الاجتماعي ونضوجه الثقافي والفكري والسياسي وتباهينا بغناه الوطني والإنساني.
والصحيح أيضاً، أن أحداً منا لا يتجاهل كون العقوبات الأمريكية عموماً و(قانون قيصر) خاصة، تهدف بمجملها إلى القضاء كلياً عن العملية الإنتاجية في البلاد وبناها الزراعية والصناعية والتجارية، لما من شأنه تجويع الشعب السوري وإذلاله وكسر شوكته واقتلاع كرامته الوطنية والقضاء على إيثاره وشهامته وعنفوانه الإنساني وتضحياته الوطنية وتقدمه الاجتماعي.
لكن ، وعلى الرغم من كل ما يعانيه شعبنا في أزمته المعاشية الراهنة على جميع الصعد الاقتصادية ومدى صعوبة إنجاز متطلباتها المُلِحَّة الآنية ذات الضرورة الحياتية القصوى التي لا يمكن الاستغناء عنها، وخاصة الغذائية منها والدوائية والصحية والاجتماعية عامة، لايزال هذا الشعب صامداً في وطنيته وتضحياته وحرصه على سيادة وطنه وحرية شعبه، يأمل من أصحاب الشأن أن يمكّنوه من الاستمرار في صموده وأن يحولوا دون تفاقم أزمته وما قد يترتب عليها من كوارث اجتماعية تسعى الإمبريالية الأمريكية إلى إحلالها بوطننا الغالي وإلحاقها بشعبنا المناضل، من أجل صيانة حريته وكرامته وتقدمه الاجتماعي وسيادته على ثرواته ومقدراته الوطنية.
من أجل كل ما تقدم، ومن أجل مواجهة النوايا الأمريكية الشريرة تجاه شعبنا ووطننا، وبالتالي تجنيب شعبنا مما يعيشه من معاناة وفاقة غير مسبوقتين في تاريخه المعاصر، لابد من التأكيد مراراً وتكراراً ودون كلل أو ملل، أن الظروف الاستثنائية تحتاج إلى قرارات استثنائية شجاعة لا تحتمل التأجيل، وتتجاوز جميع أشكال الروتين الاداري القاتل والموجبات الحَرْفيَّة للقوانين المدنية والجزائية والجنائية والاقتصادية، فالجندي الجريح الذي ينزف دماً دفاعاً عن وطنه بحاجة إلى رفده بدم جديد يحفظ له قوته وصموده، والعامل الذي يتصبب عرقاً في أثناء عمله بحاجة ملحّة إلى ما يزوده بالطاقة الغذائية الكفيلة باستمرار قوة مناعته وعطائه الذهني والعضلي، والرضيع جيل المستقبل الذي يبكي منتظراً نقطة الحليب لا يمكن إسكاته إلى حين سقوط الحصار الأمريكي اللئيم، وإلا قضى وقضى معه أقرانه من الأطفال، وربما قضى معه أهله وأشقاؤه جميعاً في آن واحد.
إن المطلوب من أصحاب الشأن المزيد والمزيد من الارتقاء بمستوى مسؤوليتهم الوطنية، والعمل بسرعة مطلقة على اتخاذ قرارات إسعافية تترافق مع إجراءات عقابية فورية بحق كل من تلاعب ويتلاعب بلقمة المواطن وغذائه ودوائه وحاجاته المعيشية الأساسية التي لا تحتمل التأجيل ولا تتحمل الانتظار من قبل شعب عانى ما عاناه على مدى السنوات التسع الفائتة.
لقد آن الأوان لقيام الحكومة العتيدة بوضع حد للفساد والمفسدين واقتلاع جذوره، ومحاسبة اللاعبين بحاضر الشعب ومستقبله ومصيره وناهبي أمواله وسالبي حقوقه المشروعة التي نص عليها دستور البلاد ومختلف قوانينه الوضعية، وبالتوازي مع ذلك العمل على تحقيق جملة من المسائل التي تستدعي التنفيذ الفوري وفي مقدمتها:
1ــ بذل جميع الوسائل والسبل الكفيلة لاستجرار القمح المنتج من المزارعين السوريين في مناطق شرق الفرات، بما يساهم في ضمان الأمن الغذائي، والحيلولة دون منع فلّاحي محافظة الحسكة في المناطق الخارجة عن السيطرة الحكومية من تسليم محاصيلهم من القمح إلى المراكز الحكومية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبعيداً عن أي ابتزاز.
2ــ العمل بالسرعة الكلية على توفير المواد الغذائية الأساسية، ضماناً للأمن الغذائي، وخاصة الأرز والسكر والشاي والحبوب المختلفة، والزيوت والمنتجات الحيوانية، والأدوية النوعية وبشكل خاص الأدوية دائمة الاستخدام.
3ــ التشدد في تحديد الأسعار ولو في حدودها المقبولة، بما يتناسب مع الدخل المحدود للمواطن السوري، والتشدد أيضاً في عملية ضبط الأسعار ومحاربة احتكار مختلف السلع الأساسية الحيوية وخاصة المواد الغذائية والدوائية.
4ــ العمل بالسرعة الكلية على زيادة رواتب وأجور العاملين في الدولة، بما يحقق ولو الحدود الدنيا من التناسب بين الدخل والأسعار، بعد رفع مستوى القوة الشرائية الحالية لليرة السورية.
5ــ العمل ما أمكن، على استقدام رجال أعمال سوريين من الخارج، وبناء الثقة مع مستثمرين سوريين وعرباً وأجانب وتشجيعهم على الاستثمار في سورية، ومنحهم التسهيلات اللازمة في مجالات الصناعات الغذائية والدوائية، والمشاريع الزراعية سريعة الإنتاج، واستزراع الأراضي القابلة للزراعة، وتوفير مستلزمات الطاقة البديلة من أشعة الشمس وقوة الرياح.
6ــ العمل على توظيف أجواء التقارب المستجدة بين سورية وبعض بلدان الخليج مثل دولة الامارات العربية المتحدة والكويت، وبعض بلدان أوربا، واغتنام تلك الأجواء لقدوم رجال أعمال من الدولتين والبعض الأوربي للاستثمار في سورية في مجالات الإنتاج الصناعي، بما يتفق مع القوانين المعمول بموجبها في البلاد، ويحقق المصالح الاقتصادية الحيوية للدولة السورية ولحياة الشعب السوري الذي وقف ويقف وسيبقى ماضياً خلف قيادته، في التصدي للعقوبات والحصار الاقتصادي الأمريكي الذي يتعرض لها الآن وطننا الغالي وشعبنا العزيز الصامد.
الخميس 11/6/2020