وإذا الموءودة سُئِلت… بأي ذنبٍ قُتِلتْ؟

إيناس ونوس:

الآية القرآنية التي اخترتها عنواناً تمثِّل حال غالبية السُّوريين، الذين لم تكفهم سنواتُ الحرب التي أنهكت قواهم وطاقاتهم، فجاءت هذه الأيام بكلِّ ما تحمله من متاعب، بل وكوارث ومصائب ما أنزل الله بها من سلطان عليهم، لتقضي على الأنفاس الأخيرة بعد كلِّ التحمُّل والصَّبر، والأمل بأن يكون الغد أفضل.

إن الوضع المعيشي لم يعد محتملاً، ففوق ارتفاع الأسعار الجنوني الذي لم يسبق له مثيل، والذي يجعلك متحسِّراً على أبسط مقومات الحياة، خائفاً من أن ينتبه أطفالك إلى أحد أنواع الفاكهة مثلاً، أو أن يطلبوا واحداً من أبسط حقوقهم، لأنك لست بقادرٍ على تلبية رغباتهم، يأتي اختفاء العديد من المواد الأساسية من الأسواق، وانعدام توفُّرها بحجج وذرائع متنوعة، لتخمد جذوة الحياة في عيون تسعين بالمئة من الشَّعب السُّوري، وآخر ما جاد به المجرمون علينا، ارتفاع أسعار الأدوية بنسبة كبيرةٍ وصلت إلى خمسمئة بالمئة لبعضها، هذا إن وُجدت أصلاً، فقد اختفت، فجأةً، معظم الأدوية من الصَّيدليات، فأيُّ حربٍ هذه التي تُشنُّ علينا؟

من المتعارف عليه، أنه حتى في السُّجون لا يحرم المساجين من حقِّهم بالتَّداوي والعلاج، فما هي الجرائم التي ارتكبناها حتى نُحرم من أدويةٍ لا يمكن الاستغناء عنها؟ ماذا فعل أولئك المرضى الذين إن خسروا حبةً واحدةً خسروا حياتهم كاملةً، لتتمَّ معاقبتهم وحرمانهم من تلك الأدوية التي تساعدهم على التَّشبُّث بالحياة كمرضى الضَّغط والسُّكري، والغدة، أو الأطفال، وأصحاب الأمراض المزمنة؟!

نتساءل مذهولين من هول الفاجعة: ألا يكفي أنَّ رفع الأسعار لم يكن معقولاً مقارنةً مع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الأكثر من سيئة؟ ليبادرنا البعض ممَّن لهم مصلحةٌ في هذا الوضع، مبرِّراً بأن العقوبات التي طالت البلاد أجبرت معامل الأدوية على التَّوقُّف عن العمل، حسناً، أين اختفت وبشكلٍ فجائي كلُّ كميات الدَّواء التي صُنِّعت من قبل؟ علماً بأنها كانت متوافرةً قبل فترةٍ وجيزة وبوفرة؟! مع كامل علمنا بأن العقوبات لم تطل القطَّاع الدَّوائي والغذائي على اعتبار أنَّهما من الأمور الإنسانية التي لا يجب المساس بها من قبل أيٍّ يكن، غير أن تجَّار الموت، ومصَّاصي الدِّماء الذين لا تعنيهم القضايا الإنسانية لا يأبهون لهذه الأمور، فكل همِّهم محصورٌ بكيفية تراكم ثرواتهم فقط!

بات لسان حال معظم الناس يقول: ليتنا نعود لأيام الحرب، على الأقل، كان الخطر واضحاً، وكان للموت شكلٌ واحد، أما اليوم فالعدوُّ مجهولٌ، والخطر في تزايد، وأشكال الموت أمست عديدةً، مهما حاولنا منها فراراً، فإنَّها تتبعنا.

وبالرغم من هول وحجم هذه الكارثة، يقف أبناء الشَّارع السُّوري يساندون بعضهم كما اعتادوا، فبدأت تنتشر على صفحات التَّواصل الاجتماعي مبادراتٌ عديدة، لإيصال الأدوية المتوفِّرة عند البعض منهم  ولا يحتاجونها إلى من هم بأمسِّ الحاجة لها، ودون أي مقابل أو ثمن، فالهدف الوحيد هو مدُّ يد العون بعضنا للبعض الآخر، وقد نجحت تلك المبادرات بنسبٍ كبيرةٍ بتحقيق هدفها، غير أن نسبةً قليلةً من عديمي الضَّمير، استخدموا هذه المنابر لغاية الكسب المادي، من خلال ابتزاز المحتاجين الذين على استعداد للتَّنازل عن أيٍّ من ممتلكاتهم، رغم قلَّتها، مقابل الحصول على الدَّواء، إلاَّ أنَّ أخبار هؤلاء تصدَّرت وعلى الفور منصات التَّواصل الاجتماعي لفضح التَّلاعب بالنَّاس وبحاجتهم وبأمراضهم.

فإلى متى سنبقى كسوريين مجبرين على ابتكار أدواتنا وأساليبنا الخاصَّة لتفادي الأزمات المُختَلقة الواحدة تلو الأخرى؟

وإلى متى سنظلُّ نُقذَف في مهبِّ الرِّيح وحيدين، وما علينا إلاّ اقتلاع أشواكنا بأيدينا؟

وإلامَ سنبقى نُحاسب كمجرمين على ما لا علاقة لنا به؟

أسئلةٌ سنظلُّ نردِّدها رغم أنف كلِّ المجرمين، ولن تخمد أصواتنا حتى نتمكّن من العيش بكرامةٍ، لأننا جديرون بالحياة، ولا نستحق كلَّ هذا الموت اليومي المتمثِّل بالقهر والذُّلِّ والمهانة.

العدد 1102 - 03/4/2024