ماذا بعد.. يا حكومتنا؟!

سليمان أمين:

العجز الحكومي عن معالجة الواقع الخدمي والمعيشي بات جليّاً وواضحاً في الشارع السوري، وما نسمعه من مبررات حكومية في تصريحاتها أو أمام البرلمان ليس سوى كلام سمعناه لسنوات طويلة، وهو بعيد كل البعد عن وجود خطة عملية للخروج من واقع المشاكل التي باتت اليوم خطراً كارثياً يهدد حياة السوريين، العاجزين اليوم عن تأمين لقمة عيشهم التي تبقيهم على قيد الحياة، فالحكومة تبدي نوعاً من اللامبالاة عن هذا الواقع السيئ رافضة الاعتراف به، مطلقة مبرراتها كالعادة أمام جلسة مجلس الشعب الأخيرة، التي تميزت بتوجيه مجموعة من أعضاء المجلس لومهم الكبير وأسئلتهم للحكومة واصفين عجزها عن معالجة الواقع المعيشي للشعب السوري الذي قدم كل ما يملك من أجل الحفاظ على وطنه السوري، وأكثر ما يثير الاستغراب كلام رئيس الحكومة بتحميله مسؤولية التقصير للإعلام بأنه لا يسلط الضوء على إنجازات الحكومة، فعن أي إنجازات تريد حكومتنا العزيزة أن تتكلم الصحافة؟ هل نتكلم عن الفقر وسياسة التفقير التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة؟ أم نتحدث عن إبعاد المختصين والقامات العلمية بشكل تعسفي من مراكز عملهم وتجميد رواتبهم، وحتى التلاعب وتأخير إصدار الحكم لصالح حقوقهم من قبل المحكمة الإدارية بما يخدم مصلحة مسؤولين في الحكومة؟ ويمكن الاطلاع على كم القضايا الموجودة في المحكمة الإدارية المتوقف إصدار الحكم فيها دون أن نذكر أسماء؟ وعن أي جانب خدمي أنجزته الحكومة تتحدث الصحافة؟ هل نتحدث عن الشوارع الجميلة المعبدة بالشكل التقني والنظامي والحاصلة على السماكة المطلوبة؟ أم نتحدث عن البنى التحتية والمشاريع التي دخلت مجموعة غينس بتأخر تنفيذها لسنوات فاقت الربع قرن؟ عن أي إنجاز نتحدث يا حكومتنا الغراء؟ عن واقع الخبز أم واقع الجوع الذي بات يستنزف حياة السوريين؟ عن ماذا نكتب يا مسؤولينا الرائعين؟ هل نكتب عن إنجازاتكم في محاربة الفاسدين، وهنا نتطرق لقول سيادة رئيس الحكومة: فتحنا ملفات فساد كبيرة جداً وأعدنا مئات المليارات إلى الخزينة ومستمرون في ذلك!

فما هي ملفات الفساد التي فتحتها الحكومة حتى اليوم؟ لماذا لم تعلنوا عنها عبر وسائل الإعلام الحكومية، ولم تفتحوها بشكلها العلني؟ وأين هم الفاسدون الذين جرت محاكمتهم؟ وكم عددهم؟ نحن لا نريد أن نتلهّى بالحديث عن الحجز الاحتياطي على أموال أشخاص لأنهم تهربوا من دفع المستحقات للحكومة ووزارة ماليتها. ما نريده هو محاربة الفساد بالشكل العلني والظاهر، وقد أشارت الصحافة بشقّيها الورقي والإلكتروني، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، إلى كثير من الفاسدين وقضايا الفساد، وجرى تداول وثائق صريحة وواضحة وجلية، وما حصل ويحصل باستمرار هو اعتقال كل من كتب أو أشار إلى فاسد أو إلى مسؤول مقصر بعمله ومخالف للقانون العام للدولة، وكان آخر اعتقال بحق رجل كبير بالسن، لأنه نشر وثائق تثبت فساد إحدى الوزارات وسياسة رفع الأسعار، وهذا ليس سوى مثال بسيط لما يحدث منذ سنوات، والسبب والخلل هو المنهجية المتبعة برفع السوط على من يتحدث بالقانون والدستور، فالأشخاص وتداول المناصب أهم، على ما يبدو، من القوانين والأنظمة وأهم من الشعب وحتى أهم من الوطن، فعندما يحدث تجاوز وخرق لقانون الدولة ودستورها تبدأ المتاجرة بالوطن وشعبه، وهذا ما حصل لسنوات طويلة، لذلك لا عجب بأن لا تكون هناك خطة عمل تنموية واضحة للحفاظ على الأمن الغذائي والصحي الذي بات في أسوأ حالاته اليوم، عندما قلنا على مدى سنوات عن الزراعة والصناعة إنهما قاطرتا النمو، لم تنتبه الحكومات المتعاقبة لهذين القطاعين، بل عملت على هدمهما بالقرارات الخاطئة وإبعاد الكوادر المؤهلة الذين لديهم الخطط العملية والوقائية، وجرى إتباعهما لسياسة تجار السوق والمستوردين المتحكمين بكل شيء دون أي رادع حكومي وقانوني، ولم يكن الحال بالنسبة للسوق والتجارة الداخلية أفضل بل كان الأسوأ، بتسليمه لمجموعة تجار متحكمين بكل المفاصل، دون فتح المجال لتجار جدد منافسين لهؤلاء التجار المعروفين الذي لم يتم حتى اليوم مساءلتهم رغم كل ما نشر عن ما فعلوه ويفعلونه وعن تجارتهم بالأسود وتوسيع السوق السوداء للاتجار بكل تفاصيل حياة المواطنين السوريين ومعيشتهم، وها نحن اليوم نرى الكارثة الكبرى التي خلفتها سياسة الحكومة بمحاربة الفاسدين ومعاقبتهم واتخاذ الإجراءات ضد سياستهم المتبعة، فماذا نقول إن كانت وزارة التجارة الداخلية اتخذت حماية المستهلك عنواناً لها ولم تحترمه وغير قادرة اليوم على فرض سيطرتها بالتسعير وفق سعر صرف المركزي ووفق دولار إجازات الاستيراد، حتى في صالاتها غير قادرة على التسعير بالسعر الحكومي، فأيّ دعم تتحدثون عنه اليوم أمام مجلس الشعب إن كانت الأسعار تخضع لتسعير الدولار الأسود الذي تجاوز 2800 ليرة سورية وتجاوزت معه الأسعار حدود المنطق، وسجلت أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفاعات جنونية هائلة، فقد سجل سعر عبوة الزيت النباتي 3000 ليرة سورية، وتجاوز سعر كيلو السكر 1500 ليرة سورية وما يتبعه من مواد وسلع أخرى. عن ماذا نتحدث يا حكومتنا الرائعة؟ هل نتحدث بعكس الواقع، وأننا نعيش بأمن غذائي سليم وأن المواطنين مرفهون وهم يموتون جوعاً، فماذا لديكم بعد لتخبرونا به ولنقارنه بواقعنا المعيشية ونستنتج البرهان وفق نظريات منطق العلوم التجريدية؟!

العدد 1102 - 03/4/2024