أخطار الحروب أكثر من أخطار الوباء؟

د. صياح عزام:

في حين تتعرض البشرية لخطر وباء فتّاك، هناك في الوقت نفسه تهديدٌ أخطر بكثير، وهو استعداد بعض دول العالم للحروب وإهدارها أموالاً وموارد طائلة من أجل التسلح.

المفارقة الكبرى بشأن فيروس (كورونا) الفتاك، هي أنه بينما يحصد أرواحاً بالآلاف، ويعرّض ملايين الناس لخطر الموت، ويعطل الحياة الاجتماعية الطبيعية، ويهدّد بفوضى عالمية غير مسبوقة، فإنه يدل على ما يجب على الدول وخاصة منها الكبرى أن تفعله لكي يكون العالم أفضل.

ما يجب أن تفعله هذه الدول واضح لأغلبية بني البشر، فكما كاتب المؤرخ الأمريكي (لورانس ويتغر) الذي اشتهر بكتاباته عن السلام قائلاً: (في النهاية لماذا لا تعمل الدول بتعاون من أجل إنقاذ البشرية من بلايا الموت الجماعي على مستوى عالمي، ومن الانهيار الاقتصادي، بدلاً من أن تخصص 1.8 تريليون دولار سنوياً من أجل شن الحروب وبناء جيوش مدججة بالأسلحة المتطورة بهدف قتل بعضها البعض؟!).

وأشار الباحث في معهد الدراسات السياسية في واشنطن (كوري بيترسن سميث) إلى أن مسألة كره الأجانب على المستوى الحكومي، مثل تسمية فيروس كورونا بـ(الفيروس الصيني) حرم القادة الأمريكيين كلياً من القدرة على التفكير الشمولي، أي التفكير فيما يتجاوز العوالم التي يحكمونها. وتابع يقول: (نعود الآن إلى موضوع تخصيص 1.8 تريليون دولار التي يكرسها العالم سنوياً، وخاصة في الولايات المتحدة، من أجل التسلّح والحرب بذريعة الحفاظ على الأمن، لاشك بأن هذا الأمر جنون يستعصي على الفهم، ولكن هذا هو الواقع، ذلك أن حماية الحدود والمصالح القومية هي الوظيفة الأولية لقادة الدول في العالم، وكل دولة تقريباً تمسك بالمطرقة أي بجيش بحيث غدت كل مشكلة بمثابة مسمار يجب طرقه.. بينما فيروس كورونا يطرق العالم بأسره). وكما قال الكاتب الصحفي الأمريكي ديفيد سوانسون: (تصوروا لو أن العالم بدوله وحكوماته تعاملوا بعقلانية مع خطر الفناء النووي حرصاً على بقاء الجنس البشري!).

هذا بالضبط هو أكثر ما يريده ملايين الناس عبر العالم من حكوماتهم، وذلك منذ فجر العصر النووي، وإنه لمن الصعب ألا نستنتج أن أولويات الأمن القومي للحكومة الأمريكية كانت ومازالت منحرفة وبعيدة عن الواقع، إلى درجة أنها تركت البلاد الآن غير مجهزة وغير مستعدة للتعامل مع وباء خطير (وباء كورونا) الذي يهدد الملايين من مواطنيها.

وبينما يستعد قادة العالم الرأسمالي لشن الحروب، تظهر باستمرار تهديدات حقيقية وخطيرة جداً، أحدها في هذه الأيام وباء كورونا، وهو يعني أنه يتعين التصدي لهذا الوباء بكل الإمكانيات والسبل.

وهذه مهمة من أطلق عليها أحد الباحثين، وهو سوانسون، اسم مهمة وزارة الدفاع الفعلية، أي مؤسسة تختلف كلياً عن وزارة الدفاع الأمريكية الحالية (البنتاغون) التي كانت تاريخياً بالنسبة لكل الأمريكيين تسمى بصورة أكثر دقة وزارة الحرب.

إن وزارة دفاع فعلية لابد أن تكون عالمية وليست وطنية، وأن تكون مهمتها ضمان بقاء البشرية والتصدي لانهيارات الأنظمة البيئية، وأيضاً التصدي لظاهرة الفقر، ويرى (سوانسون) أيضاً أنه يجب أن تتصدى للوباء العالمي الآخر، وهو الإرهاب والعنف، الذي تمارسه بعض المنظمات والمجموعات الإرهابية في كل مكان.

ويضيف هذا الباحث إنه مع الأسف مازالت وزارة الدفاع الأمريكية الحالية تضع الخطط والاستراتيجيات لتحقيق انتصارات لا صلة لها بالأخطار التي تهدد العالم.

العدد 1104 - 24/4/2024