الذهب الأصفر

ماري مرشد:

السماء الآن سوداء بسبب الدخان والنار التي طالت مساحاتٍ كبيرة من الأراضي الزراعية، والتهمت غلال الأرض، وكادت تخنق مالكيها والعاملين فيها، فما إن بدأت ألسنة النار بالتصاعد حتى اتضح أن قدرة السيطرة عليها محدودة، وقد تعالت الأصوات وانطلقت الاستغاثات، ولكن الاستجابة لا تكفي، فعندما تشتعل النار بالهشيم، تحتاج إلى قدرة عالية لإخمادها.

من الجاني وما مصلحته؟!

أحقاً صحيحة هي الاحتمالات المطروحة أن للحرارة المرتفعة دوراً كبيراً، وأنها المُسبّب الفعلي للحريق؟!

أم أن هناك أيادي خفيّةً تتحرك في الظلام، تفعل فعلتها وتلوذ بالفرار؟!

تتكاثر الأسئلة والتوقعات حول أسباب تلك الحرائق وأساسها، وتبقى الأصوات متعالية متناسية وجع الفلاح ورزقه الذي صار رماداً أمام عينيه دون أن يستطيع فعل شيء أو إنقاذ حتى نفسه من خنقة الدخان، فليس هناك من مغيث أو مساعد يجيب نداءه، أو يمسح دموعه ويبلسم وجع قلبه عند رؤيته لما حلّ بأرضه وتعبه وغلاله التي كان ينتظرها كبيرة، بعد تعبه الطويل وانتظار ثماره حتى تنضج، وعند النضوج اقتُلعت وسُلبت منه دون ذنب اقترفه.

لم تقتصر الحرائق على حقول القمح فقط، بل كان للغابات نصيب وافر منها، وتكرّر ما شهدناه العام الماضي، حين طالت أجزاء كبيرة من المساحات التي هُدِرت وذهبت أدراج الرياح أمام الأعين، ولكن هل الحرارة حكراً على الطبيعة في ارتفاعها ومثلها زيادة الرطوبة، مثلما برروا؟! أما كانت تلك ذريعتهم ليبعدوا أنظار الجميع عن الأفعال التي ارتكبوها في الأزمة ومازالوا حتى اللحظة يرتكبونها، وكأنها حرب من كل الجهات ليس لها حدود، والكل سوف يتجرّع من تلك الكأس، حتى الطبيعة لم تسلم منهم.

من المؤكد أنه ليس هناك فاعل واحد أو مجموعة واحدة. هي عدة مجموعات مرتبطة أو منفصلة، قد تختلفُ في أهدافها من هذه الجريمة القذرة، لكن يبقى الهدف الرئيسي هو التخريب وتدمير الغابات وإلحاق الأذى بمناطق مُعيّنة لأسباب انتقامية، وضرب مواسم زراعية، ما يعني ضرب الاقتصاد ولقمة عيش الشعب.

ومن الممكن أيضاً أن تكون هناك أسباب انتقامية من الأشخاص لإيذاء بعضهم، بما أن الحرائق ليست معروفة أو كما يقول المثل (الطاسة ضايعة)، فالأفعال التخريبية قد تؤدي للدمار ومن لهب صغير تحدث كارثة فظيعة إن افترضنا أنها بسبب رمي أعقاب السجائر المشتعلة، أو عدم إخماد النار بشكل صحيح وقت الرحلات (الملغاة حالياً!!) كل ذلك ممكن ومُرجّح، لكن نبقى عند إيجاد الحلول التي هي الهدف الأساسي من ذلك والوقوف يداً بيد للمواجهة والوقاية من تلك الحوادث، ولنعمل على المبدأ القائل: الذي ليس لديه أرض فليحرس أرض جاره، فالأرض هي كنزنا الذي لا نعلم أهميته إلاّ بعد أن نخسره_ لا سمح لله، فلنقدّر تلك النعمة ولنتجنّب كلّ الأفعال التي تؤدي إلى تلك الحرائق الغادرة، ليكون بوسعنا أن نمسح حزننا ولتكون لدينا القدرة على إيقاف تلك الأفعال!

وفي النهاية لا ننسى أن نحيّي كل الذين عرّضوا حياتهم للخطر لإخماد الحرائق، من عناصر فوج الإطفاء إلى متطوعي الهلال وكل فرد هبّ للنجدة وكان حريصاً على مصلحة غيره ومندفعاً بروح المساعدة وتقديم العون في تلك الظروف.

العدد 1102 - 03/4/2024