حرائق سورية.. من سمع بها؟!

غزل حسين المصطفى:

(أنا بنت الأرض السمرا)!
جملتي المعتادة للدلالة على مدينتي وقريتي، ذلك أن الشمس صبغت زنود أولادها وفلاحيها حتّى خضّبت التراب أيضاً، هناك حيث تغرق بين السنابل وأغصان الزيتون وعرائش الدالية.
يوماً ما، ذلك اليوم ليس ببعيد ولكنني أستبعد ذكره لقساوته، كان المشهد أقسى من أصفه في سطوري.
فقط ما بقي كان الرماد… نعم رماد، لشقاء سنين وأحلام مُعلّقة (على الموسم).
كان صوت عمي عميقاً جداً كدتُ لا أسمعه، عيناه حمراوان كمن يتقيأ روحه، كانت أجفانه تصارع لتخفي الألم والدمع معاً.
خرجت الجملة من بين شفتيه مخنوقة بالدخان حين قال: (لم تُحرق كل أشجار الزيتون، بقي قسمٌ منها ولكنّ بعضها قد تضرّر…)!
(التصحر، الرّعي الجائر، انجراف التربة، التملّح) هي المشاكل الزراعية التي كانت تحكي عنها كُتبنا المدرسة والبرامج التلفزيونية، حتّى برنامج (أرضنا الخضراء) ظلّ يدور في هذا الفلك، ورغم أن ذلك البرنامج العتيق قد تلاشى عن شاشتنا الوطنية إلاّ أن بقية البرامج تحذو حذوه في حديثها عن الزراعة.
لماذا لم يحدّثونا عن الحريق؟
لماذا لم يُصوّروا لنا حقول القمح المتهالكة؟
لماذا لم يكسروا عتبة ألمنا من ذلك المشهد؟
لماذا يمرُّ خبر الحريق بلا ظلٍّ ولا صوت؟
من قطع البثّ عن دموع محافظاتنا لاسيما الشرقية حين تزفُّ محاصيلها بكراً لألسنة النار؟
من الجاني؟ من له مصلحة فيما حدث؟
هل استوقفتكم صورة فلاح شابَ قلبه وكُسِر ظهره حين بات (الموسم) هباءً منثوراً، وهو مُجبرٌ على أن يُطيل صبره ويضاعف دفتر دينه لعامٍ آخر!؟

هل خرج أحدٌ من أصحاب القرار وعوّض خسارتهم، ولو، على الأقل، بالاعتراف بما حصل والبحث عن السبب ؟!
أتدرون أنني كنت أحمل صورة لأرضنا المحروقة لمن لم يُصدق كلامي، لأنهم يُعولون على الإعلام الرسمي وهو لم ينبس بحرف واحدٍ حول الحدث، لا أقصد فقط ما حصل في قريتي فهو لا يُذكر مقارنةً مع باقي المحافظات.
حتى الآن وبعد طول تفكير لم أجد مبرّراً لهذا التعتيم على الحدث.
يا أولي الألباب، جرائم القتل لا تقلُّ بشاعةً عن قتل وإجهاض جنين الأرض!
يا أصحاب السموّ والسيادة، إن ماتت أرضنا من أين سنأكل؟ ابحثوا عن السبب والمُسبّب! كيف يمكن أن نُهان وتُمسّ سيادتنا ومحاصيلنا الاستراتيجية! إلى كل فلاحٍ.. إنسانيتي تدعمك وتشعر بك، رغم أن ذلك لا يغني، لكن هذا ما استطعت إليه.
نُعوّل على من بيدهم البيادق!

العدد 1104 - 24/4/2024