زمن الخداع الشامل

عيسى وطفة:

(في أزمنة الخداع الشامل يصبح قول الحقيقة عملاً ثورياً )
جورج أورويل

أمس، بينما كنت أعاني الضجر بسبب الحجر المفروض علينا ترغيباً و ترهيباً بذريعة الرعب من فايروس كورونا، رحت أقلّب دفاتري وأوراقي العتيقة فوقعت على خاطرةٍ  كنت قد كتبتها بتاريخ 12/12/ 2013 م، وقد كان الخبر الأول الذي تصدّر نشرات الأخبار في القنوات التلفزيونية المحلية والفضائية والصحف المحلية هو دعوة الناس إلى تخزين المواد الغذائية والتزام البيوت للحماية من العاصفة الثلجية التي لم يسبق لها مثيل والتي كانت ستضرب سورية حينذاك.

 والنتيجة هستيريا مجتمعية حقيقية ضربت سلوك الناس وأظهرت جلياً الأنانية و الفردانية في مقاربة الناس للمشكلات الطارئة على حياتهم، وأخذ الناس يلهثون من أجل الاستحواذ على أقصى ما يمكن من مواد غذائية وتخزينها دون اكتراث بالآخرين فقراء كانوا أم عاجزين أو كبار السن ، إذ كتبت حينذاك: 
عصفت بنا الفضائيات وقالت إن في قادم الأيام القليلة (عاصفة) وأمطرتنا سيولاً من التقارير و الأخبار عن (العاصفة) بطريقةٍ عاصفة…
وحتّى لا نكون كالصرصور الكسول مصيرنا،  فزعنا، و كالنمل اجتهدنا
و فوق إمكاناتنا و قدراتنا تحمّلنا
و إلى الأسواق و الدكاكين انعصفنا
أكثر من احتياجاتنا وحتى حاجات الآخرين في بيوتنا كنزنا
وما بين حشرات مجتهدة و حشرات كسولة انقسمنا
عن أعمالنا انقطعنا
والمدارس والجامعات أغلقنا

سوى (بيوت الله) بقيت مشرعةً، وفي بيوتنا انزربنا
واعتبرنا أنفسنا أبطالاً وانتصرنا
أخبار العاصفة انتظرنا
أمام التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي تسمّرنا
من هنا خبراً وخبراً من هناك تلقّفنا
أوهامٌ وخزعبلاتٌ وقصصٌ ورواياتٌ ما أنزل الله بها من سلطانٍ عبر شبكات التواصل الاجتماعي تبادلنا
ونسينا! أو ربما تناسينا أن العاصفة الحقيقة لا ثلج ولا مطر ولا ريح
إنما هي فعلٌ جهنّميٌّ لشياطين لا تكنّ ولا تستريح
عاصفةٌ هوجاء كالبرق لإفراغ جيوبنا
وتشتيت عقولنا وتخديرنا
فمن خبرٍ نتلقفه ولا نفكر فيه تذهب رياحنا
إلى حيث أرادوا رسموا اتجاهاتنا وأخذونا
أما آن الأوان لعقولنا أن تتحرر!
فتعمل و تفكر و تتطور!
و بالمعرفةِ والعلم تتنوّر
أما آن لنا أن نصّم عن الريح الصفراء الأذنين؟
فنبصر في عقولنا وقلوبنا قبل العينين
و إلى متى سنبقى ما بين (…) مجتهدةٍ وأخرى كسولةٍ منقسمين؟
انتهت الخاطرة.
واليوم، لمن يحب أن يتذكر ويستخلص العبر. ألا ترون معي أن بروباغندا كورونا اليوم هي امتدادٌ لخديعة العاصفة التي كانت بروفا لمسلسلٍ حقير تخرجه وتنتجه شياطين الإمبريالية لاستعباد البشر، ضاربين عرض الحائط بمستقبل البشرية وما خفي أعظم.

 24 نيسان 2020  

العدد 1102 - 03/4/2024