بين كورونا والاحتلال
صفوان داؤد:
لم يعد خافياً أن تأثيرات وباء كورونا قد ضربت الأرض دون استثناء، وترافق مع هذه الجائحة استنفار طبي وأمني وسياسي عام لاحتواء تداعياته، غير أنه على مستوى العالم حظيت شعوب ومناطق باهتمام أقل من غيرها، وربما بشكل مقصود، من قبل الإعلام والمنظمات الدولية، ومنها فلسطين، فقد انتهزت إسرائيل الانشغال الدولي بالجائحة واستمرت على ممارساتها التوسعية ضد حقوق الشعب الفلسطيني، واعتبرتها فرصة مناسبة لمصادرة أراضٍ جديدة للفلسطينيين. واستعجلت، خلال انتشار الوباء، بتطبيق الإجراءات العملية لما سميت (خطة ترامب للسلام)، وتعزيز سيطرتها على أجزاء جديدة من الضفة الغربية. ويبدو أن السلطة الفلسطينية قد وقعت بين مطرقة إسرائيل وسندان الوباء وضاعت في معالجة القضايا الصعبة على عاتقها. وقال رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية إن خسائر الاقتصاد الفلسطيني من الوباء بلغ نحو 3.4 مليارات دولار، فيما بلغت الإصابات المؤكدة منذ ظهور أول إصابة بالفيروس في الأراضي المحتلة في الخامس من آذار الماضي، نحو 265 مصاباً. ووفقاً لمسوحات منظمة الصحة العالمية، يوجد في مستشفيات الضفة الغربية حوالي 213 سريراً من وحدات العناية المركزة متضمنة منافس للحالات الحرجة، لعدد سكان يبلغ حوالي 2.5 مليون، وتضع هذه النسبة، في حال انتشار الفيروس، استعدادات السلطة الفلسطينية ضمن النطاق الخطر. أما الوضع في غزة وبحكم الحصار الإسرائيلي طويل الأمد، فمرشّح لأن يكون خطيراً للغاية. فقد أعلن مدير المختبرات في قطاع غزة عن نفاذ كامل مخزون مستلزمات الفحص المخبري لفيروس كورونا بداية هذا الشهر، وحذر من تدهور الأوضاع الصحية في غزة في حال انتشار الفيروس. ولم يخفف العدد المحدود للإصابات في قطاع غزة من القلق مما هو قادم.
بالنسبة للفلسطينيين، هناك علاقة معقدة لاحتواء الوباء، فلسطين جغرافياً ليست كتلة واحدة، هي أشبه بكانتونات مترابطة كحبات العنب، وتفصل بينها نقاط أمن إسرائيلية، وتنفصل عنها غزة بشكل كامل. وهناك أيضاً العمالة الفلسطينية الموجودة داخل اسرائيل التي وجدت نفسها أمام خيارين، إما البقاء داخل إسرائيل دون وسائل حماية كافية، أو العودة إلى منازلهم والالتزام بالحجر الصحي وشبح البطالة. ويشكل ضعف الإمكانيات الاقتصادية ومحدودية التقنيات الطبية للسلطة الفلسطينية وحركة حماس على حد سواء، عاملاً حاسماً في عدم القدرة على مواجهة الوباء في الفترة المقبلة. ومن غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية المتشددة ستتعاون مع السلطة الفلسطينية أم لا. في البداية تجاوبت اسرائيل وقامت بفك الحجز عن جزء من عائدات التخليص الجمركي وإعادة تحويلها إلى خزينة السلطة الفلسطينية حتى يتسنى لها توريد المواد الضرورية لمكافحة الفيروس. غير أن التأثيرات الظرفية الكبيرة لهذا الوباء على الشارع الإسرائيلي وانتخاب الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يسيطر عليها اليمين والحريديون، قد غيّر من تجاوب إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، وقامت من دون أي تنسيق معها، بإجبار العمال الفلسطينيين المرضى على العودة إلى الأراضي المحتلة، وطُرِد العمال المياومون أو جرى إلزامهم بعد فحصهم، بالمبيت في أماكن عملهم. وزادت المخاوف في الضفة الغربية من أن عودة هؤلاء العمال قد تشكل خطراً على الصحة العامة، بعد أن قضى العمال عدة أيام في أماكن مزدحمة في إسرائيل ودون وقاية قبل العودة. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 75٪ من حالات العدوى في الفترة الاولى من انتشار الفيروس كانت مرتبطة بالعمال العائدين من إسرائيل. وأعادت هذه الأخيرة حوالي 250 عاملاً فلسطينياً كانوا يعملون في مسلخ دجاج تفشى فيه الفيروس.
وفي أراضي عام 1948 اتخذت الحكومة الإسرائيلية إجراءات تعيق دخول المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى المستشفيات، وتباطأت في ضمان فرصة الحصول على الفحص الطبي أسوة بالمواطنين اليهود، ودمّرت عيادة ميدانية أُنشئت على وجه السرعة لفلسطينيين يعيشون في غور الأردن. وقامت إدارة السجون الإسرائيلية بإجراءات تقليصية نفذتها بحق المعتقلين الفلسطينيين تؤثر سلباً على الوقاية من كورونا وشطب أكثر من 140 صنفاً تشمل العديد من المنظفات كالصابون والشامبو، ومواد غذائية كالليمون والأفوكادو، ما دعا أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلى مناشدة كل من منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر للتدخل العاجل لحماية المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية. وبحسب الوكالة الفلسطينية الرسمية للأنباء (وفا)، يبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل نحو 5 آلاف، بينهم 200 طفل و700 يعانون من أمراض مختلفة. وحول إجراءات السلطة الفلسطينية لاحتواء المرض قامت بالاستعدادات الأساسية التي تمت في معظم دول العالم، من بينها إجراءات الحجر الصحي، وأنشأت نقاط مراقبة صحية بالقرب من نقاط التفتيش الإسرائيلية والتدقيق في تصاريح العمل، غير أن القدرات المحدودة للحكومة الفلسطينية حالت دون امكانية الإحاطة الكاملة بالعدوى، ذلك أن الكثير من العمال العاملين في اسرائيل هم من غير المسجلين. وقال مسؤول في وزارة الصحة الفلسطينية: لا توجد إمكانية لدى الوزارة لفحص جميع العمال العائدين من إسرائيل لأن قدرات الوزارة محدودة، ولأن المعامل في رام الله وبيت لحم يمكنها فقط معالجة حوالي 600 اختبار في اليوم. كل هذا الوضع يضع السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ضمن خيارات قادمة صعبة للغاية، وتخوف جدي من تزايد أعداد المصابين بالوباء وتداعياته المحتملة على الاقتصاد الفلسطيني المتهالك اصلاً.