الخطوط الحمراء
الدكتور سنان علي ديب:
لكل قرار انعكاسات حتمية، وحتمية النتائج تتعلق بالدراسة المسبقة لكل المدخلات المتعلقة بالقرار من ناحية شموله الأفقي والعامودي، فدراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لأي قرار بشكل مسبق هي معيار للتطبيق. ورغم الدراسات لابد من انحرافات عبر المراقبة والمتابعة، وتكون هناك جاهزية لإصلاحها وتصويبها نحو المسار الصحيح والغاية المرجوة. وطالما حصل ذلك من خلال تنفيذ وتطبيق البطاقة الذكية بما يخص توزيع الوقود الذي حقق المراد به، ضمن إطار تخفيض الاستهلاك وتقويض الأزمات التي كان هناك ألغاز لتوقيتها وأسباب حصولها، وكذلك لموضوع بعض المواد كالسكر والرز والزيت رغم المنغصات ورغم استمرار مؤسسة التجارة باستجرار السلع من التجار كنسبة أو عن طريق المناقصات، وكذلك في النوم بالعسل على أساس أنهم قد حققوا إعجازاً، وطبعاً ما يهمنا هو جدوى الإدارة الأزموية وفائدتها وتناسبها ضمن الممكن مما يحقق جزئياً حاجات المواطنين، على اساس كبح الاحتكار وتخفيض الأسعار، ولو أنها لم تحقق الممكن والمطلوب. وهنا لا بد من التنبيه أنه لولا الازمة لما وافقنا بالرأي لأننا كنا من الرافضين لسلوك كهذا قبل الأزمة لوجود نوايا لفرض نهج يحابي البعض على حساب الوطن، وفي ظل عدم توفر الأسباب لهذا السلوك، ولكن ضمن الأزمة العميقة، اضطررنا من أجل حماية الكيان والقرار وحماية الشعب الصامد الصابر من الفقر والعوز المدقع. ولكن للأسف وكأن بعض أصحاب القرار أصبحوا لا يبحثون عن حلول واقعية، وإنما الهروب نحو الأمام وتمرير قرارات لها خطورتها واقترابها من الخطوط الحمراء، وكان آخرها تجربة توزيع الخبز بالبطاقة الذكية أو المتذاكية لمحافظة دمشق وريفها، لتعميمها فيما بعد على باقي المحافظات إن نجحت التجربة وجلاء نجاحها موقع سلفاً، وهذا يعني استخدام أسلوب الصدمة وصحيح لم يأت القرار عبثياً، وهنا لا نقصد من حيث الدراسة ولكن من ناحية التهيئة، فالإعلام يسلط الضوء على الهدر بالخبز وتكلفته وعلى تهريب الخبز ووضعه علفاً للحيوانات وتهويل ووو وكأن الجهات المسؤولة لا تملك الأدوات لمنع هذه الظواهر، بالتالي سيبدو منطقياً، لمن يتابع ويثق بهذا الإعلام، اللجوءُ لذكاء البطاقة الذكية. وهنا نقول ماذا سيوفر تطبيق البطاقة الذكية على الخبز من الطحين والوقود؟ وماذا سنخسر من النواحي الاجتماعية والاقتصادية؟ برؤيتنا الخسارة مليون ضعف، وذلك لانعكاسها على الصحة والغذاء والفوضى، وهدر الوقت، وباب جديد للابتزاز والاستغلال وإرهاق المواطن، وهذه الأمور ستصيب العسكري والأمني والفلاح والعامل والموظف والمهجر وكل شريف إلا أرباب الفاسدين فهؤلاء لم يهتموا للدم ولن يهتموا للفقر والبؤس ولم يهتموا للوطن. وإنما هي بوابة للاستفادة وتقويض مبررات وغايات القرارات واشتغال السمسرات لأخذ اعتمادية البيع ومزاجية البائعين وعدم كفاية المواد المستوعبة، فلكل ٣ أشخاص ربطة، وفوق ٤ ربطتين، وبالتالي لكل مواطن رغيفين مع تناوب دوري لأحدهم برغيف واحد، وكذلك هم يومي للمواطن لتأمين الخبز بعدما كان هنالك من يشترون ليومين أو أكثر وكذلك يأتي السؤال عن توقيت القرار خلال أزمة وباء كورونا ومحاربة التجمعات المضرة بكل الأوقات، فكيف بزمن كورونا التي جزء منها مفتعل. هل للقرار علاقة بتوقع عقوبات وحصارات لاحقة؟ هل حسبت الكميات التي ستوفر وهل هي ذات إيجابية وفائدة أكبر من معاناة المواطنين؟ هل سيكون لاحقا بيع الخبز بسعر حر أو سوق سوداء استمراراً للبرلة الاقتصاد في زمن هجوم أممي ضد الرأسمالية ونظامها اللاإنساني الذي تعرى بزمن وباء كورونا؟ ما هو السعر؟ ومن سيحدده؟ هل سيصبح استيراد الطحين وتداوله حراً كذلك؟ ومن سيكون محتكر الاستيراد؟ أسئلة طبيعية لقرار كبير وخطير كهذا القرار، في السلع السابقة قد يكون هناك خيارات وبدائل أما بموضوع الخبز فلا يوجد. وهل يعلم متخذ القرار أن كثيراً من العائلات كانت تستبدل القدرة الشرائية الضعيفة وعدم إمكانية شراء سلع غذائية ضرورية بعدد من أرغفة الخبز؟ هؤلاء سيتأثرون بشكل كبير وسلبي من هذا القرار الذي أُخذ استسهالاً من قرارات واجبة لضبط العملية، ولن يتأثر من هذا القرار جماعة الكيروسون: سبب كل بلاء! لماذا اتجهت وزارة محاربة المستهلك إلى هذا القرار وهي تملك الأدوات ولكنها لا تستعملها؟ فالهروب من مسؤوليتها تعمم المصاعب. في إحدى الندوات بالمركز الثقافي عام ٢٠١١ بالمزة حول الانعكاسات الاجتماعية للسياسات الاقتصادية الإمبريالية، طبعاً بحضور شخصيات أصبحت في الخارج من مشارب مختلفة، عندما تطرقت لتخسير القطاع العام رسم ابتسامة سخافة، ولكن عندما حللنا صمت طبعاً كان معه من تصدر التنظير الشيوعي وانتقل بعدها لليبرالية وترويج الفاسدين، ثم التسويق لما يسمى منظمات متطرفة، ودكتور اقتصادي. المهم أجبته إن دخل فأر لبيتك تدمر البيت أم تقتل الفأر؟ وللأسف على مدى عقود نتناسى الفئران وندمر البيوت!
إن تمرير قرارات بحجج أزموية نتائجها دمار شامل.
وقبل هذا القرار مضاعفة سعر الأسمدة، وقبله تمرير رفع سعر الدولار بلا مبرر. والكل عرف المضاربات من الدول المحيطة ودواعش داخلية مرتبطة بدواعش خارجية. ولا خطوط حمراء كما كانوا يصرحون.
ولكن ليعرف الجميع، بنظر كثيرين من الوطنين الشرفاء، سيبقى الوطن والمواطن خطاً أحمر.