مدرسة كورونا.. درهم وقاية خير من قنطار علاج

مرح محمد نبيل السمكري:

لا يوجد أشدُّ عبئاً على النفس من المرض إلّا الخوف من الإصابة بالمرض، وهذا ما حصل مع غالبية سكان الأرض بعد انتشار فيروس كورونا، ولنا الحق في الخوف، إذ لا نعتبر بذلك جبناء ولا خوّافين، فجدير بهذا الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردّة من صغره أن ينال مهابة الناس، كيف لا وقد اخترق أجسامهم بكل برود وسهولة وما لبث أن فاجأهم بسيطرته على أجسامهم، وربما أرواحهم.

الكارثة لا تكمن فيما سبق، بل في أن العلاج لم يُكتشف بعد، وفي حال إصابتك بالفيروس فأنت أمام خيارين، الأول هو أن تتمكن مناعتك الذاتية من محاربة للمرض والتغلب عليه، والثاني هو الموت. أو لديك خيار آخر، وهو عدم الإصابة بالفيروس من الأساس وذلك عن طرق الوقاية، الوقاية التي حفظنا تعاليمها عن ظهر قلب، وذلك بفضل منظمة الصحّة العالميّة WHO، التي لا تفوت فرصة في بث الرسائل التوعوية للشعوب، وقد كانت صاحبة الأثر الإيجابي الأكبر أثناء هذه الجائحة، لأنها كانت تنفي أيّة شائعات حول المرض، وتُعلّم الناس كيف تحمي أنفسها، وتُصدر التصريحات الرسمية عن هذا الفيروس في الدول.

إن منظمة الصحة العالمية تُعنى بالصحة العامة، وهذا المجال يختلف تماماً عن الطب، لأن الطب مهمته علاجية، أما الصحة العامة فمهمتها وقائية، فبدلاً من انتظار الأمراض لتنتشر وتتفشّى فتصبح السيطرة عليها شبه مستحيلة، تتخذ الصحة العامة إجراءات وقائية تحمي الناس من الإصابة بالأمراض سواء كانت جسدية أو نفسية، وترعاهم من فترة الحمل لفترة الشيخوخة  عن طريق تتبّع وتحسين العوامل المؤثّرة في صحتهم، وذلك عن طريق اللقاحات التي ترفع مناعة الجسم،  ونشر العادات الصحية مثل ممارسة التمارين الرياضية والامتناع عن التدخين وعدم شرب الكحول وتخفيف الوزن، وعن طريق تصميم مساكن وأماكن للعمل تضمن صحة الفرد وسلامته، مثل المساحة المناسبة ودخول الأكسجين والشمس بشكل كافٍ للمكان، وحتى الصحة النفسية للأفراد من خلال محاربة الضغط النفسي على المرأة الحامل وعلى الأطفال، ومحاربة التمييز العنصري والتنمّر وما إلى ذلك.

لكن أغلب الحكومات اليوم لا تلقي بالاً للصحة العامّة، ولا للإجراءات الوقائية، وأبرزها تلك الدول التي تعجُّ بمساكن العشوائيات مثل مصر والهند، إذ لم يصل إلى أحيائهم العشوائية حتى اليوم مفهوم الصرف الصحي، ومفهوم المراحيض، ومفهوم النظافة والاستحمام الدوري، بل يعيشون بين النفايات، لتعجّ حياتهم بالأمراض والأوبئة، وحتى الدول المتقدمة صناعياً لم تأبه للصحة، وبذا فهي تفتك بصحة العالم عامة وشعوبها خاصة، وذلك عن طريق تخلّصها من نفايات المصانع بطريقة تنهك الكوكب.

نفايات المصانع تنقسم إلى نفايات (صلبة، سائلة، غازية، مشعّة) فالصلبة يتمُّ التخلّص منها غالباً عن طريق الدفن في التراب، الذي يؤدي إلى انعدام قدرة التربة على الإنتاج، وفي حال انتجت فيكون محصولها ساماً وضاراً وتُعرّض آكلها للخطر، ومن الممكن أن تسبب الأمراض للأشخاص نتيجة ملامسة الجلد فقط، وقد يتمُّ رمي النفايات الصلبة أيضاً في البحر فيتحوّل إلى مكان قذر ومقرف يؤثّر على الثروة السمكية وعلى سكّان السواحل بشكل عام.

 أما النفايات السائلة فيتمُّ التخلّص منها في الأنهار والبحار والمحيطات ممّا يؤثّر على حياة الكائنات البحرية، وحياة الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من هذه الأنهار والبحار. أمّا فيما يخص النفايات الغازية التي تنبعث على شكل دخان أسود من مداخن المصانع، أو حين يتمّ حرق النفايات الصلبة، فإن لها الأثر الأكبر، لأنها تزيد نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء، ممّا يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ، وإلحاق الضرر بالمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، فضلاً عن الأمراض التي تسببها للإنسان مثل الالتهاب الشعبي المزمن والربو الشعبي وانتفاخ الرئة، وارتفاع نسبة إصابات الصدر والأنف وأمراض القلب والشرايين والحساسية، والأهم تدنى مستوى مقاومة الإنسان للأمراض الميكروبية.

لقد ثبت لنا اليوم أن للصحة العامة دوراً أساسياً وهاماً في الحياة ربما كنّا نعتقده قبل أزمة كورونا من الأمور الكمالية، وثبت لنا أيضاً أن مراعاة الصحة العامة والتقيّد بشروطها من قبل الأفراد والحكومات هما طوق النجاة الوحيد، وهذا ما يُعتبر درساً قوياً للشعوب والحكومات عنوانه (درهم وقاية خير من قنطار علاج).

العدد 1102 - 03/4/2024