الإعلام السوري بين الواقع والطموح

يونس صالح:

هناك مشكلة قائمة في بلادنا، على غرار كثير من بلدان العالم الثالث، هي غياب سياسة إعلامية تخدم مسائل التنمية الاقتصادية_ الاجتماعية الشاملة في البلاد، وضرورة تحقيقها.

وتبرز هذه المشكلة إذا أخذنا بالحسبان الجانب الإيديولوجي، فقد اتبع النظام لفترة طويلة نهج التطور غير الرأسمالي كما يقال، متأثراً بالنظم الاشتراكية، فنرى آنه أخذ من نظام الإعلام في تلك الأنظمة الصفة العمودية، أو الاتجاه الواحد، إذ تسخَّر وسائل الإعلام أساساً للتعريف بمزايا النظام، ومحاولة دائمة لإقناع المواطنين بسلامته وبكونه سبيل خلاصهم الوحيد من ويلات التخلف، أو ثالوث الفقر والمرض والجهل، لكن اشتراك المواطنين في هذا الإعلام وتغلغله في أضيق أوساطهم يظل مجهولاً، نظراً للمركزية الشديدة التي تطبعه، ولانغلاق أبوابه أمام الأفراد أو الجماعات أو الأقليات أو القطاعات التي لا تتوفر على مكان في أحد أجهزة الحكم. ونصل إلى النتيجة نفسها عندما بدأت البلاد تأخذ ولو جزئياً بالنظام الليبرالي، فقد أخذت تتعدد وسائل الإعلام وتختلف اتجاهاتها ولو بحدود، إلا أن هذه الوسائل تتمركز في العاصمة، وهي من حيث المحصلة خاضعة بأكثريتها لاتجاهات الحكومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إن كل هذه الأوضاع لا تمت إلى السياسة الإعلامية بشيء، لأنها تخلق إعلاماً- ولو كان سياسياً- منعزلاً، أو خادماً لصيقاً بسياسة ضيقة، بينما المطلوب هو خلق المؤسسات الضرورية لسياسة إعلامية، واحترام مبادئ عليا يخضع لها الجميع ويستفيد منها الجميع، عادلة ومتوازنة وديمقراطية. لأن ذلك هو الأساس الأول، وشرط النجاح الحقيقي للمساهمة الفعالة في النظام الإعلامي العالمي الجديد. فكيف يعقل أن نرى هذه المساهمة ولاتزال صفحات المطبوعات بعيدة المنال عن مشاركة الأغلبية الساحقة من الجماهير، ولاتزال مشدوهة ومصدومة بقوة الفرق بين الصور الخيالية المخدرة التي تعطيها لها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، والواقع الصعب الذي تعيشه يومياً.

أما فيما يتعلق بالتقنية فإنها لاتزال مشكلة صعبة عندنا، وليس السبب في ذلك قلة الفنيين في البلاد، وهنا أود التأكيد أن المسألة ليست في الكم، وليست في الاختصاصيين ذاتهم، وإنما هي راجعة أصلاً إلى مركز القرار السياسي والاقتصادي. لا جدال في أن التقنية ركيزة من ركائز التقدم الاقتصادي، وهذا الأخير أصبح خاضعاً للتخطيط الدقيق، سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد.. وهنا أتساءل أين هي خططنا الاقتصادية التي تعطي للاستثمار في البحث العلمي والتقني قسماً معيناً ضمن بنودها؟ لا أنكر أن هناك أولويات من ضمنها الصناعة والزراعة على سبيل المثال، لكنني أؤمن بأن الإعلام الناجح يسهم بفعالية في تحقيق سياسة صناعية زراعية نافعة.

إذا تركنا الآن أجهزة الدولة الرسمية المسؤولة عن الاقتصاد وتخطيطه وسلطنا الضوء على رأس المال السوري، وجدنا أنه يفضل قطاعات الاستثمار السهلة، حيث تكثر المضاربة، ويتحقق الربح بسرعة، وحيث تقل الانعكاسات الاجتماعية والثقافية، لا أستطيع أن أتجرأ بالسؤال عن المقاولات السورية التي تخصص جزءاً من فائضها أو من نفقاتها العامة للبحث العلمي والتقني، فذلك لايزال من باب الخيال.. معنى هذا أننا سوف نظل مستهلكين لإنتاج الغير إلى أجل غير مسمى.

العدد 1104 - 24/4/2024