هل القانون قادر على تطوير الفرد والمجتمع؟

حسام محمد غزيل:

كثيراً ما يدور السؤال عن قدرة القانون على تطوير الفرد والمجتمع؟

ألم يغدُ الإنسان بكل ما وصل إليه بقادر على التعامل وفق معارفه ومداركه بصورة جيدة ودون الرجوع إلى ناظم حقوقي يفرض عليه ما يجب القيام به؟ ألا يتعارض هذا مع صيحات الإنسان الحرّ التي تجوب العالم؟

أثبتت التجارب أن الإنسان دون شريعة ناظمة لسلوكه سيتصرف بأسلوب عبثي يؤثّر سلباً عليه وعلى المجتمع، لذا وجب تكريس القانون كمنهج يستند إليه ويكون تطبيق الفرد له ضرورة للتعامل مع القانون بمنتهى الجدية ودون محاباة. وهنا نسأل أنفسنا كم نحن بحاجة لتفعيل وتطبيق كل القوانين الناظمة لحياة المجتمع بمختلف أوجهها من أجل سيادة العدالة والمساواة؟ إن التعامل الحكومي والمجتمعي والإعلامي للتصدي لفيروس كورونا (كوفيد-19) الآن يأخذ منحى إيجابياً رغم التخبّط الظاهر في شروحاته وتطبيقاته، والقانون حين يتمُّ تطبيقه جيداً وبلا استثناءات يؤتي ثماره بشكل أقرب ما يكون للمطلوب، وهنا نذكر جميعاً القوانين التي اتخذتها إدارة المرور مثلاً للحماية وكيف واجهت صعوبات تطبيق في البداية، لكن مع الإصرار الحكومي على التطبيق سارت الأمور بشكلها الطبيعي وكانت على وشك أن تغدو سلوكاً دائماً في المجتمع لكن التهاون الحاصل نتيجة الظروف وغيرها في تطبيق القانون أعادنا لمرحلة البداية وهذا ما يؤكد ضرورة الالتزام بتطبيق القوانين المفروضة واستمرارها في كل الظروف وعلى الجميع. والتشريعات الجديدة شكلاً تلبي المطلوب منها، وها هي عقلية الاستثناء والعادة بالقفز من فوق القوانين تطالنا من جديد، والتي سعت بالكثير من الصناعيين لاستصدار تراخيص للعمل لمنشآتهم، وهنا حققت غرف الصناعة مكاسب مادية جيدة من حيث سداد المتأخرين عن الدفع لاشتراكاتهم ليكونوا قادرين على استصدار التصاريح، مكسب اقتصادي جيد، ومن المهم ألا تتوقف حركة الصناعة في البلد. لكن من يتابع التجمعات الكبيرة التي حصلت في غرفة الصناعة نفسها على سبيل المثال، يترك لديّ تساؤلاً: ماذا لو كان أحد الموجودين يحمل الفيروس ونقله لمن حوله ومن ثم استصدر التصريح ونقله لعمال المنشأة وبدورهم نقلوه لعوائلهم ومحيطهم، هنا يتحقق مكسب آني ينتج عنه بعد فترة حضانة الفايروس كارثة إنسانية لا يمكن السكوت عنها، التصرف الاحترازي التدريجي أمر إيجابي، لكن تبقى المخاوف عن إمكانية تفجّر الوضع بشكل أثبت اقتصادياً وصحياً عدم قدرتنا على احتماله واستيعابه ضمن الظرف الذي نعيشها، القانون يؤتي ثماره لكنه يحتاج لوقت لتطبيقه ولآليات تساعده في ذلك. نعود هنا لنؤكّد أنه رغم كل ما مررنا به وكل تجارب الوعي الإنساني والمجتمعي الحاصل، ما زلنا فقراء جداً لنمتلك وعياً سلوكياً وأخلاقياً يُمكنّنا من التجاوب الصحيح مع الإجراءات الحكومية الناظمة للمجتمع وهذا ما نراه بالنسبة المرتفعة جداً للتهرّب الضريبي، والتعامل مع ممتلكات الدولة بتساهل وإهمال كبيرين.

إن حالات الإلغاء والأنانية والتفكير الفردي ضمن المجتمع غير قادرة على حماية نفسها على الأقل، فالتكافل المجتمعي أولاً، وتقديم مصلحة البلد على المكاسب الشخصية، تأخير بعض المكاسب أو تحمّل خسائر مرحلية، يتبعه مكاسب حقيقية مع مجتمع صحيح وبيئة مناسبة للإنتاج والعمل. أما آلية التفكير التي يتعامل من خلالها الصناعيون وغيرهم والمحتكرون وتجّار الأزمات لا تنذر إلاّ بالخطر! ويبقى أملنا الآن بتكافلنا وبتطبيق القوانين بكل جدية دون استثناء أو حسابات أخرى، لأن القانون هو ضمان هذه المرحلة والمراحل القادمة، وتفعيله يحقق ما نطمح له جميعاً من خير لنا ولهذا البلد، ففي الوقت الذي يدّعي البعض تخلفنا من الناحية التشريعية والقانونية في بعض النواحي، لكننا نملك حزمة من القوانين التي لو تمّ تطبيقها والتعامل من خلالها بجدية لعادت بالكثير من الخير على البلد، وتحقيق الأمان المرجو من خلال صيغة العقد المجتمعي الذي نطمح يوماً بالوصول إليه.

تحية صادقة لكل من أحبّ ويحب هذه الأرض وشعبها بصدق ويبذل كل ما يمكنه لحماية هذا الوطن وسلامته واستقلاله وسيادته. سيادة القانون هي الحل وفهم من يقوم بتطبيقه ومن يُطَبَّقْ عليهم الجدوى والأثر العائد عليهم سيجعلنا مع الوقت قادرين على التغلّب على الفجوة بين حقيقة القانون وتصور المواطنين عنها، القانون هو درع المواطنة الحقيقية والواعية، لذا دعونا نلتزم به بكل وعينا وطاقتنا ونحاول دعم تطبيقه بشتى السبل.

العدد 1102 - 03/4/2024