الاشتراكية هي الحل

 إبراهيم الحامد:

أحدث سقوط جدار برلين والاتحاد السوفياتي خللاً عميقاً في التوازن الدولي وفوضى عارمة، في ظل سطوة نظام الاقتصاد الحر على الاقتصاد العالمي وتبني السياسات النيوليبرالية من قبل النظم السياسية الحاكمة في الدول النامية، تلك الدول التي هي   أساس التنمية الاقتصادية العالمية، إذ تتوفر فيها الإنتاج الحقيقي للثروات الخام الأولية الزراعية والحيوانية والطاقة والمياه، التي هي ضرورية لعملية التصنيع لجميع الحاجات الاستهلاكية البشرية.

  وبرغم من عولمة النظام الاقتصادي الحر، اشتدت الأزمة الاقتصادية العالمية في مركز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي الأمريكي البريطاني، وتفاقمت وظهرت آثارها في بداية القرن الحادي والعشرين، ومن أجل أن تخفف من آثارها لجأت الولايات المتحدة، بدعم بريطاني وجرّت بعض الدول الأوربية وراءها، لخلق مبررات التدخل العسكري المباشر في الدول (النامية) بدءاً من أفغانستان إثر أحداث 11أيلول عام 2000، بذريعة محاربة منظمة القاعدة (الإرهابية) بقيادة أسامة بن لادن، التي استخدمتها لمحاربة وجود الاتحاد  السوفياتي في أفغانستان تحت اسم (المجاهدين العرب)، واستمر وجودها بحجة محاربة تنظيم الطالبان (الإرهابية) حتى عقد اتفاقية مصالحة معه بتاريخ المتزامن مع ذهاب 67 جندي أمريكي من الموجودين في أفغانستان إلى أوهاينا الصينية للمشاركة في  العرض العسكري في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2019،  ووفاتهم بعد العودة منه إلى أمريكا، وظهور وباء فيروس كورونا الذي عمّ العالم وشلّه.

وكان بعد افغانستان  احتلال العراق بحجة إخراج  صدام حسين  من الكويت واتهامه بامتلاك  اسلحة التدمير الشامل، وظهور ما سمي بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) المتزامن مع ما سمّي بـ (الربيع العربي) بدءاً من تونس، ثم تدخلها عسكرياً بذريعة محاربة الإرهاب مستهدفة من وراء ذلك إسقاط كل النظم السياسية الحاكمة التي تبنت نموذج نظام الاقتصاد الاجتماعي المخطط ذات التوجه الاشتراكي، تلك  التي كان يستفيد منه أغلبية الجماهير الشعبية الفقيرة، في ظل القطاع العام (ملكية الدولة) والقطاع التعاوني، والمتمثل بالقطاع الصحي المجاني والتعليم المجاني والسكن والنقل والطاقة والمياه والخبز والمواد الغذائية الأساسية مثل السكر والشاي والزيت والرز وغيره من المشمولة بإطار  سياسة الدعم وسياسة القضاء على البطالة وتبني البطالة المقنعة،  وهذا ما لم يرق للنظام الرأسمالي العالمي ولم تلبِّ شروط  مركزيه الأساسيين (صندوق النقد والبنك الدوليين). ومن العراق لجأت لإسقاط  تلك النظم عبر إجراء جراحي في كل من تونس والجزائر ومصر، وعبر الاحتلال المباشر لكل من ليبيا وسورية والعراق واليمن، وتدمير البنية  التحتية لتلك الدول والبدء بنهب وسلب وسرقة ثرواتها  الباطنية وآثارها، وهذا لا يبرئ  تلك النظم الحاكمة التي سادت فيها البرجوازية  البيروقراطية الطفيلية التي ألحقت الضرر بالاقتصاد الوطني من خلال الفساد والإفساد داخل قطاع الدولة والقطاع التعاوني، وشوهت النظام الاقتصادي المخطط ذا التوجه الاشتراكي في عيون الجماهير الشعبية لدرجة التذمر منه من غير وعي، وأساءت تلك الممارسات لشعوبها ولاقتصادها الوطني، ولم تبذل جهداً لاستكمال بناء الدولة الوطنية والمواطنة، ولم تقم بأي إجراءات إصلاحية في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وذاك ما مهد الأرضية الخصبة لما هي فيه الآن من وضع يرثى لها  برغم  تبنيها النيوليبرالية ونظام الاقتصاد الحر إلا أن ذلك لم يشفع لها عند قادة النظام الرأسمالي، وفي الوقت ذاته لم  تخفف من  الأزمة الشديدة التي أصابت قلب النظام الرأسمالي، الذي بات تحت المديونية العالمية بما يقدر بـ120 تريليون  دولار بحسب إحصائيات الاقتصادي  طلال أبو غزالة. ولقد جاء فيروس (كورونا ) كي يكشف هشاشة النظام الرأسمالي العالمي ويكشف آثاره السلبية وأضراره على الشعوب الفقيرة في العالم، تلك التي حُرمت من مزايا الضمان الصحي والقطاع الصحي العام، حتى تحول كورونا إلى كارثة عالمية تهدد الحياة البشرية بدءاً من مراكز النظام الرأسمالي العالمي كدول الاتحاد الأوربي وأمريكا، وهذا ما دفع بكثير من المفكرين السياسيين والاقتصاديين للقول إنه لا يمكن مواجهة ذلك إلا بالتعاون العالمي ومكافحة الفقر و ضمان تزويد كل إنسان بحاجاته الأساسية دون استثناء لضمان معيشته والحفاظ على صحته، بغض النظر عما إذا  كان يعمل او لا يعمل . وهم، بقولهم هذا، وبدراية منهم أو دون دراية، يدعون إلى تبني جوهر الفكر الاشتراكي والشيوعي الذي لا يوجد حلّ بديل عنه لإنقاذ البشرية، فما على الجماهير الشعبية الكادحة في كل دول العالم إلا التحالف والالتفاف حول قوى اليسار والتقدم الداعية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاشتراكية، والتوجه نحو التغيير الجذري في بلدانهم، بما يلبي طموحاتهم ويحقق التوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية وكل مستلزمات الصحة العامة.

العدد 1104 - 24/4/2024