أرقام: هل يمكن أن يكون الماضي مؤشراً للمستقبل؟

يونس صالح:

هل يمكن أن يكون الماضي مؤشراً للمستقبل؟

الأكيد أنه يدخل ضمن المؤشرات الرئيسية، خاصة إذا كان الحديث عن الإنسان، فالإنسان تجربة متصلة وتاريخ ممتد.

يقول التاريخ، إن جديداً قد حدث خلال القرنين الماضيين، وأن ذلك الجديد قد ازداد وضوحاً في مطلع القرن الحادي والعشرين، كان سكان العالم منذ بداية التاريخ يتزايدون ببطء، وأحياناً بشكل غير مستقر تؤثر في ذلك المجاعاتُ والحروب والأوبئة، فإذا بهم منذ القرن الثامن عشر يزيدون باطراد، وقد أخذت معدلات الزيادة تسجّل بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين أرقاماً قياسية، مما زاد القلق على المستقبل وزاد الاتجاه لمواجه المشكلة السكانية.

تقول بعض الأرقام إن عدد سكان العالم كان في السنة الميلادية الأولى حوالي 300 مليون نسمة واستغرق الأمر أكثر من 1500 سنة ليتضاعف هذا الرقم، حتى كان عام 1875، وخلال مئة وخمسين عاماً من هذا التاريخ أي عام 1900 تضاعف عدد السكان ليصبح 1.7 مليار نسمة.

لكن حتى ذلك التاريخ كان التزايد محدوداً وبينما كان المعدل لا يزيد عن 0.5% سنوياً، أصبح 1% عام 1950، وارتفع إلى 2.5 بالمئة سنوياً عالمياً، وتزايد في الدول النامية بشكل أكبر وتناقص في الدول الصناعية المتقدمة، ولقد ساعد في ذلك تحسن مستوى المعيشة والصحة والتعليم بصورة عامة مما قلل نسبة الوفيات.

ولكن بقي الأغنياء ينجبون أقل والفقراء ينجبون أكثر، وقد تزايد عدد سكان معظم الدول النامية وأصبح متوسط الإنجاب 4-5 أطفال لكل أسرة.

وخلال هذه المرحلة أصبح فيها الفقراء أو ما يطلق على دولهم البلدان النامية يشكّلون 80%من عدد سكان العالم، وبرزت قضية الثروة والموارد وهل تكفي للمستقبل أم تحدث المجاعة؟ وقبل ذلك كان السؤال: هل يتم توزيع الثروة في العالم بشكل عادل؟ وبمعنى آخر: هل يمثل الفقر مشكلة ندرة في الموارد، أم مشكلة سوء توزيع؟

إن المعطيات تشير إلى أن نصيب الدول النامية من الثروة يتراجع، فبينما كانت هذه الدول تستحوذ على 44% من الإنتاج العالمي في بداية القرن التاسع عشر كما تقول بعض المعطيات التقريبية آنذاك، فإن هذه النسبة قد تراجعت لتصبح في مطلع القرن الحادي والعشرين حوالي 15% فقط. لقد كرست الثورة الصناعية صيغة الأغنياء والفقراء، وزادت الثورة التقنية من الهوة، كما أن التكتلات الاقتصادية كانت أنجح في عالم الأغنياء، بينما كانت التبعية والتقسيم غير العادل للعمل الدولي من نصيب الفقراء.

السؤال الرئيسي: هل يستمر ذلك؟

تشير التوقعات إلى أن التزايد السكاني لن يتوقف طوال هذا القرن، الأغنياء بنسب صغيرة قد تهبط إلى الصفر والفقراء بنسبة أكبر، إلا أن المحاولات الجارية حالياً لضبط النسل قد تثبت صيغة تتساوى فيها أعداد المواليد والوفيات، بحيث لا يزيد تعداد العالم بعد مئة عام كما يتوقع علماء الاجتماع على 16 مليار نسمة.

ولكن هل ينتظر العالم ذلك التاريخ البعيد لينعم الفرد في الدول النامية بمتوسط دخل أكبر بفضل نجاحه في تنظيم النسل، الأكيد أن الإجابة بالنفي، فعنصر السكان متغيّر واحد، أما بقية المتغيرات فأبرزها زيادة الإنتاج والإنتاجية وعدالة توزيع عائد هذا الإنتاج على مستوى المجتمع المحلي والمجتمع الدولي.

يبدو أن هناك اتجاهاً لتوزيع أفضل للثروة، أو تقسيم أرقى للعمل الدولي، أو شروط أفضل للتبادل بين الفقراء والأغنياء في الأمد المنظور وفقاً للعلاقات الدولية، إذ إن إنتاج الفقراء سيبقى، إذا استمرت السياسات القائمة كما هي، أكثر تخلفاً من إنتاج الدول الرأسمالية المتقدمة، وأسعاره أكثر تدنّياً، وإن التقدم التقني سيبقى بطيئاً وباهظ الثمن أيضاً، وسوف تواجه عالم الفقراء مشاكل الديون بصورة أكبر.

يقولون في عالمنا التبعية لا تفيد والهوة سوف تتسع ومؤشرات التقدم في البلدان النامية مهما تزايدت فإنها لن تصنع قفزات مماثلة لما يحدث في البلدان الرأسمالية المتقدمة، ويطرح ذلك قضية هامة: هل تكون التنمية في أحضان العالم الرأسمالي المتقدم ووفقاً لمفاهيمه ومصالحه، أم تكون التنمية وفق أسلوب خاص يتكون في عالمنا الثالث، أسلوب يكرس الاستقلال، ويدفع بعجلة الإنتاج، ويناسب ما نملك من إمكانات وما نطمح إليه من مستقبل؟

يبدو أنه مثلما جرى اختراع المصباح والطائرة والكمبيوتر وغيرها، فإننا بحاجة، إذا جاز التعبير، إلى اختراع في إدارة الموارد والعلاقات الاجتماعية والدولية. وإذا لم نخترع، فعلينا أن ننتظر المئة عام القادمة.

العدد 1104 - 24/4/2024