الانتخابات الأميركية والصراع الطبقي

د. احمد ديركي:

بدأت التحضيرات للانتخابات الأميركية والجميع يستعد لخوض المعركة الانتخابية، ومن ضمنهم دونالد ترامب كونه يملك الحق للترشح لولاية ثانية وأخيرة. والنظام السياسي في الولايات المتحدة نظام رئاسي لذا تحتل الانتخابات الرئاسية أهمية كبرى.

مع التحضيرات بدأ كل مرشح بطرح برنامجه الانتخابي لجذب أكبر عدد ممكن من الناخبين إلى جانبه عبر برنامجه المطروح، وأكثر ما تُركز عليه هذه البرامج البعد الداخلي. فالناخب الأميركي وإن اهتم بالشؤون الخارجية إلا انه يهتم أكثر بالشؤون الداخلية. مقابل المواطن – الناخب، هناك الشركات الكبرى وتلحظ البعد الخارجي في البرامج أكثر من الداخلي. ما بين الناخب والشركات الكبرى هناك “اللوبي”، وتتعدد اللوبيات في الولايات المتحدة الأميركية فمنها من يهتم بالشؤون الداخلية، ومنها من يهتم بالشؤون الخارجية ومنها من يهتم يالأمرين معاً.

انطلاقاً من هذا يمكن القول ان هناك 3 قوى داخلية تحدد من يفوز بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

كما يمكن القول أن الولايات المتحدة الأميركية تمثل، حالياً – أي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تاريخه – أكثر مراكز نمط الإنتاج الرأسمالي تطوراً، وتحتل المركز الأول عالمياً في الاقتصاد. عند الحديث عن نمط إنتاج لا يتعلق الأمر بالاقتصاد فقط بل هو نمط اقتصادي سياسي اجتماعي. كون الولايات المتحدة الاميركية تتربع على رأس هرم نمط الإنتاج الرأسمالي فهي تعكس صورته فلا يصبح الحديث عنها وكأننا نتحدث عن بُعد معزول عن بقية الأبعاد وعند الحديث عن شخص لا يعني هذا أننا نتحدث بمنطق الفردانية، بل نتحدث عن النمط برمته.

وإن كان الصراع الطبقي في الولايات المتحدة كامناً، في صيغته السياسية، منذ فترة ليست بوجيزة ولكنه بدء يأخذ شكله السياسي. واكثر من عبر عن هذا الوجه حركة “احتلو وول ستريت” (Occupy Wall Street) وشعارها الشهير “نحن الـ 99%” (We are the 99%).

ها هو عاد الصراع الطبقي للظهور بوجهه السياسي في الانتخابات التحضيرية للرئاسة ما يُشير إلى تجذر الصراع القائم بعد أن طمس طويلاً.

يمثل ترامب الوجه الواضح لنتاج نمط الإنتاج الرأسمالي، بعيداً عن كل الشعارات “المنمقة” لسابقيه، موضحاً ما خفي ومساهماً بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، في عملية تصحيح الوعي المشوه.

ظهر منافس لترامب اسمه بيرني ساندرز. يمكن لحظ الاختلاف ما بين برنامج ساندرز وكل بقية المتنافسين على الرئاسة، ومن ضمنهم ترامب، ليظهر برنامجه جزء كبير من طبيعة الصراع الطبقي في الولايات المتحدة. سوف نقتصر في مقاربة برنامجه على بعض نقاط البعد الداخلي، وبشكل موجز جداً. وما سوف يرد مأخوذ من برنامجه.

“الجامعة للجميع وإلغاء ديون الطلاب”: خلال 30 سنة مضت كانت رسوم وتكاليف السنوات الجامعية الأربع تُكلف الطالب 3360 دولار لكل سنة، وفقاً لسعر دولار اليوم. بينما التكلفة الحالية للشهادة الجامعية نفسها تقارب 10 آلف دولار سنوياً وقد تصل إلى أكثر من 21 ألف دولار سنوياً إذا أُضيف السكن الجامعي وأمور اخرى مع لحظ ان ارتفاع أجر ساعة العمل للخريجين أرتفاع أقل من دولار واحد منذ عام 2001. واقع أدى إلى وجود جيل شاب غير قادر على تحقيق أحلامه، من تأسيس عائلة إلى شراء منزل إلى… جيل غير حر لأنه تخرج مكبل بدين يبلغ مئات آلاف الدولارات. فطالب ببرنامجه العمل على تحقيق التعليم لكل شاب بغض النظر عن مستوى دخل عائلته، ولون بشرته، وإعاقته، أو حالته كمهاجر. واعداً بإلغاء “دين الطالب” حيث هناك 45 مليون أميركي يحملون هذا الدين ويقدر مجموع الديون بحوالي 1.6 ترليون دولار.

“ضريبة على الثروة الفاحشة”: فرض ضريبة على فئة يُطلق عليها الـ”0.1%”، أي الفئة الأغنى. وهذا يعيدنا إلى شعار “نحن الـ99%”. ويقول برنامجه ان هناك ملايين من الاميركين يعملون في وظيفتين أو ثلاثة لتأمين إطعام عائلاتهم في الوقت الذي يملك فيه أغنى 3 أميركيين ثروة أكبر مما يملكه نصف من هم في قاع المجتمع. وخلال 30 سنة ارتفعت ثروة الـ 1% ما يقرب 21 ترليون دولار، بينما من هم في القاع فقدوا ما يقرب 900 مليار دولار من ثرواتهم. وبعبارة أخرى، وفقا لساندرز، يوجد انتقال هائل في الثروة من الذين يملكون القليل إلى من يملك الكثير.

“أميريكا مرحبة وآمنة للجميع”: هذا البلد، وفقاً لبرنامجه، أمة من المهاجرين بالإضافة إلى سكانه الاصليين. وكل فرد منا نحن الاميركيون أتت عائلته إلى هنا من مكان آخر، البعض أتى بخياره، والبعض للضرورة وآخرين أتو مقيدين بسلاسل. موجهاً خطابه لترامب بالقول: لدينا الآن رئيس عنصريمصاب بالخوف من الغرباء وديماغوجي. ويحاول كبقية الديماغوجيين تقسيمنا ولوم المهاجرين على أنهم مسببي المشاكل الاجتماعية. ويستخدم ترامب خطاب كراهية مقيت في محاولة منه للحط من انسانية مجموعة كاملة من البشر، كما تعامل إدارة ترامب المهاجرين وكأنهم مجرمين. ويطالب في برنامجة بالاضافة إلى حق المهاجرين بالتعلم، حقهم بالعمل ومنع استغلالهم من ناحية الأجور والضمانات.

“حق النقابات العمالية”: يقول برنامجه ان حركة النقابات العمالية هي التي بت الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، والنقابات من سيعيد بناء هذه الطبقة. معتبراً ان النقابات العمالية تعمل لصالح العمال. فالعمال المنتسبون إلى نقابات يتقاضون أجور متوسطها أعلى بـ 22% ممن هم خارجها، وحالياً يوجد لدى 72%  من المنتسبين للنقابات ضمانات تقاعدية مقارنة بـ 14% لديهم هذه الضمانات وهم خارجها. لذا يمكن القول ان برنامج ساندرز الانتخابي، طبعاً أخذنا جزء منه، يُظهر ما يجري في المجتمع الأميركي من صراعات طبقية لتصل إلى حد المستوى السياسي، ويبقى السؤال: كيف لنا ان نتعامل معه؟

العدد 1104 - 24/4/2024