هل ترضى أن تكُون جاهلاً أحمق!؟
مرح محمد نبيل السمكري:
ليس (كورونا) وحده من يفترس العالم، بل كان معه ظهرٌ قويّ داعم وهو (الجهل)، فهل ترضى أن تنشر الموت أو أن تساهم في زيادة عدد الضحايا؟ لا يتطلّب الأمر أن تكون سفّاحاً، بل يكفي أن تكون جاهلاً أحمق، ولا أظنك راغباً في ذلك.
فما بين جملة (سلّمت أمري لله)، ومنطق تفكير (الشعب السوري عانى الأمرّين ولن يقف في وجهه الكورونا)، ونكات من نوع (أنا الكورونا بتخاف مني) و(أنا أصيب الكورونا بالكورونا)، تتزايد الاحتمالات بتفشّي المرض وانتشاره كالنار بالهشيم، تماماً كما حصل في إيطاليا، فقد استهان الشعب الإيطالي بالفيروس وأخطاره وسرعة انتشاره، أو أنه مجرّد خبر على شاشات الأخبار وبعض التهويل الإعلامي، حتى صارت إيطاليا اليوم الأولى عالمياً بعدد ضحايا الفيروس، وصارت الجثث تتكدّس وتتكاثر وقد بلغ عددها إلى لحظة كتابة هذا المقال 7.503، لكن يبدو أن البعض لم يتعلّم من التجربة الإيطالية، فما زال حتى اليوم يوجد من يأخذ الموضوع على محمل الفكاهة، والطامة الكبرى أنه يسخر من الأشخاص الملتزمين بتعليمات وزارة الصحة وينعتهم بـ(عرق النعنع) أو يرى أنهم مصابون بالوسواس القهري أو حتى بالجنون.
في الفترة الماضية وقبل تسجيل أيّة إصابة في سورية قرّرتُ أخذ الاحتياطات اللازمة، خصوصاً أني أخرج من المنزل بشكل يومي وأخالط، بحكم عملي، كثيراً من البشر، فوضعت الكمامة على وجهي ونزلت إلى الشارع، بدأت ألاحظ نظرات السخرية والتمتمات الضاحكة، ونظرات الخوف والرعب مني لظنّهم أنّي مُصابة، وبعد أيام بدأت بارتداء القفازات الطبية، فصرتُ وأنا في الطريق أسمع نداءات (كورونا كورونا!). كل ذلك لم يجعلني أخجل، بل جعلني أنعتهم بالجهل والحماقة. وسمعت من إحدى زميلاتي أن الناس صاروا يشتمونها في الطريق، لأنها، حسب زعمهم (تبثُّ الرعب). وكم مرّة أرادت الركوب في الحافلات ورفض السائق خوفاً من أن تكون من حاملي الفايروس.
إن تسليمك الأمور لله ليس بخطأ، بل العكس تماماً، لكن الله لا يريد منك أن تكون أبله، بل يريدك أن تأخذ بأسباب النجاة ليحميك، وفكرة أن الشعب السوري رأى جميع أنواع الفجائع لا تبرّر أبداً عدم إصابته بالمرض، فلن يقف المرض أمام المواطن السوري ويُفاجأ من خبرته الكبيرة في المصائب وشجاعته في مواجهتها فيتراجع عنه، لا يوجد رابط منطقي أبداً بين هذه وتلك، بل يجب أخذ الحذر بشكل أكبر، فمدينة دمشق تحوي تجمّعاً سكانياً كبيراً جداً، وكل أماكنها مزدحمة، أي أن دخول شخص واحد ناقل للفيروس إلى مطعم أو كنيسة أو جامع أو حتى حافلة يمثّل كارثة حقيقية، إضافة إلى أن القدرة الطبية محدودة.
اتخذت الدولة الإجراءات الصحيحة للوقاية، وفرضت عطلة المدارس والجامعات والدوائر الحكومية، حتى يلتزم الناس بيوتهم فتقلّ كثيراً فرص نشر العدوى، وتسهل السيطرة على الحالات المصابة، فما كان من بعضهم إلاّ الذهاب إلى الربوة ومضايا والزبداني للتنزه (شمّ الهوى) وتعاملوا مع العطلة على أنها عطلة رفاهية وليست حجراً صحيّاً، ولو أن الحكومة أبقت على الدوام سارياً لرأيتهم يشتمون وينعتون لأن الدولة لا تسأل عن سلامتهم وصحتهم وتجبرهم على الخروج من المنزل، واليوم بعد إغلاق الأسواق والمطاعم وكل المحلات عدا محلات الغذاء، وبعد إغلاق أبواب الجوامع والكنائس للمرّة الأولى، يتجه البعض إلى تمضية الوقت في الزيارات العائلية ويتركون الأولاد يلعبون في الشوارع، وكأنه لا آباء لهؤلاء الأطفال يخافون عليهم ويحزنون لمرضهم.
بعد كل هذه الأهوال في العالم بسبب كورونا، وبعد أن أصبح الخبر العاجل والرئيسي والفرعي لكل نشرات الأخبار ووسائل الإعلام، والكلمة الأولى التي تكتبها على facebook عندما يسألك بأعلى صفحته (بماذا تفكر؟) ما زال كثيرون لا يقدّرون حجم الجائحة، والخوف أن يبقى كورونا مزحة بالنسبة لهم حتى يُصاب أحدهم ويشعر بهول الأمر.
أرجوكم التزموا منازلكم! أرجوكم حافظوا على ارتداء القفازات والكمامات إن اضطررتم للخروج من المنزل، فهي فترة بسيطة، إمّا أن ننجو منها وإمّا أن تفنينا جميعاً!