أزمةٌ جديدةٌ.. لنكن أكثر وعياً وتعاوناً!
إيناس ونوس:
لكلِّ مجتمعٍ معاييره ومعتقداته ورؤاه المعرفية والفكرية التي يبني عليها عاداته ومسلكياته بمختلف مناحي الحياة، سواء الصِّحية أو التَّربوية أو الثَّقافية، وهي تختلف من مجتمعٍ إلى آخر، ومن مكانٍ إلى آخر، غير أن بعضاً من هذه المعتقدات يُعتبر أمراَ عامَّاً يتَّفق عليه الجميع أينما ولَّينا نظرنا.
وتعدُّ الثَّقافة الصِّحية من أولى أساسيات الحياة في المجتمعات كلِّها، ومراعاة قواعد النَّظافة العامة والشَّخصية أمرٌ لا يختلف عليه اثنان، إلاّ أن التَّربية المجتمعية وسيادة القانون على الجميع تلعب دوراً هاماً في تكريس هذه القواعد أو تجاوزها، ففي الدُّول التي يسودها القانون والقائمة على مبدأ أن الحرية الشَّخصية تنتهي عندما تبدأ حرية الجماعة نجد أن قواعد النَّظافة العامَّة مُتجسِّدةٌ بشكلٍ أكثر وضوحاً ممَّا هو عليه الحال في دولٍ أخرى لا يفرِّق أبناؤها بين الشَّخصي والعام، فما بالنا بدولٍ يعيش أفرادها على مبدأ أنا ومن بعدي الطُّوفان؟ هنا نجد تفشِّي الأمراض وصعوبة السَّيطرة على الجائحات والأوبئة أكثر، نتيجة انعدام التَّعاون بين الأفراد وحكوماتها، والنَّابع من عدم تحمُّل كلِّ طرفٍ لمسؤولياته كاملةً، وإلقاء اللَّوم على الطَّرف الآخر.
وما يجري اليوم في العالم برمَّته، ونحن في سورية جزءٌ منه، خير مثالٍ على كلامنا هذا.. فوعي الأفراد الصِّحي ومساندتهم لجهود الحكومة في محاولات السَّيطرة على وباء (كورونا) الذي فتك بما يزيد عن نصف مليون إنسانٍ حتى اليوم، يساهم في التَّخفيف من زيادة انتشاره، وتحمُّل كلٍّ منَّا لمسؤولياته تجاه هذا الوضع العام يجعلنا في منأى عن التَّعرّض للخطر الذي لا يرغب أحدٌ في خوض غماره وغمار آثاره المفجعة.
انتشرت سبل الوقاية على مختلف وسائل الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب، وعبر وسائل التَّواصل المتعدِّدة، ولا تزال تنتشر وتتنوَّع أساليب العرض سواء بنكتة أو عن طريق مقالاتٍ توعويةٍ أو ترميزاتٍ غير مباشرةٍ مختلفة، بما يتناسب مع الآراء والأذواق كلها، ما يعني أن وسائل الإعلام بمختلف أشكالها قد أدَّت رسالتها المنوطة بها، ووصلت بكلِّ تأكيدٍ إلى كلِّ منزلٍ وكل فرد، صغيراً كان أم كبيراً. ومن جانبها قامت الحكومة بعدَّة تدابير وإجراءات شملت الجوانب الصِّحية، ومن وجهة نظري فإنَّها ليست بالقليلة إذا ما انتبهنا لحال البلد الذي لم يخرج بعد من تبعات حرب السَّنوات التِّسع، وإذا ما قارناه من جانبٍ آخر بغيره من البلدان التي لديها من الإمكانات الطِّبية والاقتصادية ما يفوق ما لدينا بمئات المرَّات إن لم يكن أكثر، بقي أن نساهم نحن كأفرادٍ ونقوم بما هو مطلوبٌ منَّا، علماً أن المطلوب يُعتبر بسيطاً وسهلاً، لأنَّه يتمثَّل بمجرَّد البقاء في المنزل بعيداً عن التَّجمعات والاختلاط بالآخرين، إضافةً لزيادةٍ بسيطةٍ بطرق النَّظافة المتعارف عليها في بيوتنا جميعاً، لكن وللأسف، نجد أن عدداً لا بأس به من النَّاس لا يطبِّقون هذا الأمر الذي يعدُّ أبسط ما يمكن!!!
قد نجد المبرِّر لبعضهم، بحكم ضرورة تأمين أبسط مقوِّمات الحياة، من خبزٍ وغذاءٍ وماء، في ظلِّ عدم تحمُّل مؤسَّسات الدَّولة لمسؤولياتها بهذا الإطار، وتركها النَّاس في مهبِّ ريحِ أنانية وجشع التُّجار الذين لم يعد يشبعهم شيء البتَّة، يستغلُّون حتى الأزمات الصِّحية لتزيد من مكاسبهم مهما كانت النَّتيجة التي سيلاقيها باقي أفراد المجتمع، غير أن تركيزنا هنا على البعض الآخر من النَّاس الذين لمَّا يلتزموا حتى السَّاعة بمقتضيات العزل والحرص، وقد دخلنا الفترة الأكثر حرجاً والأكثر حاجة للالتزام، والذين لم يدركوا أن الكارثة _ إن وقعت _ فستشمل الجميع دون استثناء.
الأمر يقتضي العمل من كلا الجانبين معاً، الأفراد والمجتمع الأهلي من جهة والحكومة بمختلف مؤسساتها من جهةٍ أخرى وليس فقط بقطاعي الصِّحة والأمن، فحين تؤمِّن لمواطنيها متطلَّباتهم الأساسية تكون قد قامت بواجباتها تجاههم، وسحبت منهم المبرِّر والحجَّة لمخالفة القوانين الطَّارئة في مثل هذه الفترة الاستثنائية، لنكن عوناً لبعضنا، علَّنا نخرج من هذه الأزمة المضافة إلى سلسلة أزماتنا بأقلِّ الخسائر إمكانيةً.