عندما يبكي الرجال.. فرحاً!

حسن العمير:

تشخص العيون، وتتحجّر المُقل، وتغصّ في الحلق الكلمات، ويتوقف العقل عن إدراك معنى الحياة، فتهتز المشاعر في أعماقنا معلنة التمرد على كل ما هو مألوف، وتبقى تلك الدمعة عصية، تحرق الاجفان، وتهوي بالفؤاد الى أعماق حزن دافئ.

أجل، هل سمعتم عن الحزن الدافئ؟! الحزن المشوب بالفرح، هل جرّبتموه؟! هل عاش أحدٌ منكم هذا العرس المفعم بالدموع، والمتوّج بالاحزان؟!

ذاك هو عرس الوطن!

الوطن الذي احتفى بأبنائه الذين عزفوا له على أوتار أرواحهم لحن الصمود والفداء، وهتفوا له بحناجرهم أغنية الانتصار، فضمّخوا بدمائهم ترابه، ليزهر ياسميناً.. وينبت قمحاً.. ويتفتّح بيلساناً. وجعلوا من أجسادهم جسراً ليعبر من على متنها أطفاله إلى المستقبل.

هم الشهداء.. أمام عظمتهم تنحني الهامات، وبجراحهم تلتئم جراحنا وجراح الوطن، وأمام صمودهم وتضحياتهم تكسّرت وانهارت أحلام الغزاة والطامعين وشذاذ الافاق ومن لفّ لفّهم ودعمهم.

قليلة وشحيحة كل الكلمات والعبارات التي تصف الشهيد، فهي لا تفي بحق من قدّم أغلى ما عنده ليحيا الوطن.

الوطن الذي جابه خلال السنوات العشر الماضية أعتى قوى الشر والظلام، وعانى أهله كثيراً من ويلات الحرب، فكان لا بدّ من أن ينتصر.. بفضل تضحيات جيشه وشعبه، فعلى امتداد جغرافيا هذا الوطن تكاد لا تخلو أي بلدة أو قرية من شرف استشهاد أبنائها من خلال مجابهة الإرهاب المدعوم بشكل مباشر من الإمبريالية العالمية والصهيونية، والمموّل من مشيخات الخليج المهترئة، ومن حزب العدالة والتنمية التركي الاخواني وعلى رأسه أردوغان.  وقد كان لقرية برلهين (الواقعة بريف حلب الشرقي)، هذه القرية الصغيرة في مساحتها والكبيرة جداً جداً بشهدائها وبأبنائها، فهي التي علّمتهم أن حب الوطن والتضحية في سبيله فوق كل اعتبار، كان لها نصيبٌ من شرف الدفاع عن الوطن، وقدمت كثيراً من الشهداء كان منهم وليس آخرهم شهيدان سقطا في يومٍ واحد على جبهات إدلب في مواجهة الغزو التركي الاخير.

نعم، فقد كان الشهيد أحمد فرج العمر، والشهيد عبد العزيز الاحمد، على موعد مع الشهادة في اليوم الثاني من شهر آذار 2020.

استُشهد أحمد في سراقب، وهو من مواليد برلهين ،1994 التحق بالخدمة العسكرية في ،2015 متزوج ولم يرزق بأطفال.

واستشهد عبد العزيز في جبل الزاوية، وهو من مواليد برلهين ،1998 والتحق أوائل سنة 2019 بخدمة الوطن، متزوج ولم يرزق بأطفال.

كان خبر استشهادهما في يوم واحد قد هزّ القرية والقرى المجاورة، وقد كان تشييعهما مهيباً عندما وصل موكب الشهيدين تباعاً إلى القرية، فالمشهد الذي كنا نراه في تراجيديا الفن تمثيلا رأيناه حقيقة وعلى سجيته في برلهين، معبّراً عن حرص هذه القرية على الاعتزاز والفخر بأبنائها الشهداء، وكان من ذلك موقف طلاب المدرسة ومعلميهم بالوقوف على جانبي الطريق ورفع أعلام الوطن لتحية الشهداء، وأيضاً زغاريد النساء ونثر الارز فوق النعشين ما كان إلا موقفاً ينمّ عن مدى تقديس هؤلاء للشهادة والشهداء، وعن وعي وشعور وطني قلّ نظيره.

وهذه رسالة واضحة لكل الذين عزفوا على وتر نكران الجميل لهذا الوطن: هذا هو شعبنا وهؤلاء هم أهلنا.

الرحمة للشهداء جميعاً والصبر والسلوان لذويهم.

والشفاء للجرحى.

سورية لن تركع لانهم في الخنادق يعشقون الشهادة.

العدد 1104 - 24/4/2024