زنادقة التطبيع

موسى الخطيب:

 إن انضمام السودان عاصمة اللاءات الثلاث إلى حظيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، يكون قد أكمل الضلع السادس للنجمة السداسية، وبذلك يكون المحور السعودي قد حقق الحلم الصهيوني بهذا الانفتاح السياسي القاتل، ونحن نرى في هذا التطبيع مع العدو الصهيوني جملة من المخاطر على أمننا العربي.

أولاً: الانفتاح السياسي معه وإنشاء علاقات دبلوماسية تنطوي على ميثاق عدم اعتداء بين الطرفين، وأن مواقف دول الخليج لم يكن سوى انسياق هذه الأنظمة إلى الخضوع لتداعيات مفروضة أمريكياً.

وكل هذا الغرس الخليجي الرديء تكشفت ثماره في مجرى إدارة الصراع الفلسطيني – الصهيوني وفيما يشبه الانصراف الخليجي عما كانت قضيتهم المركزية، أي فلسطين، وغسل الأيدي من كل ما كان يسمى صراعاً عربياً – إسرائيلياً، وتحويل هذا الصراع إلى صراع عربي – إيراني والتعامل مع العدو الصهيوني كشريك، والتعامل مع إيران كعدو، اعتماداً على تفجير الصراع الطائفي.

لقد تخلى عرب الخليج مبكراً عن خيار إلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني، واختاروا نهج التسوية التي لا تؤمن لهم سلاماً ولا تحقق عدلاً، لأنهم طعنوا الشعب الفلسطيني في الصميم، وبالتالي تؤدي إلى ضياع حقق الشعب الفلسطيني في عودته إلى وطنية وأرضه وبيته.

ثانياً: كسر الحصار الاقتصادي المفروض على هذا الكيان الغاصب للأرض، وفتح أسواق خليجية جديدة لم يكن العدو الصهيوني يحلم بها وستجد الصناعة الصهيونية في هذا المجتمع المستهلك سوقاً رائجة، سواء صناعة الحماس والحمضيات المشهورة عالمياً، والمواد الكيماوية، وبذلك يمكن للصناعة الصهيونية أن تنمو وتتطور على حساب الشعب الفلسطيني بعد أن وجدت سوقاً لها، وبالتالي سوف يزداد هذا الكيان تسليحاً على حساب الدم الفلسطيني.

والخطورة تكمن أن تلجأ دول الخليج إلى شراء الأسلحة الصهيونية وتسددها إلى ظهر العرب من خلال الأزمة السورية حالياً، وليس من المستغرب أن ترسل هذه الأسلحة إلى سورية ليسددها الإرهابيون إلى ظهر الجيش السوري، وليس من المستبعد أن يكون البترول أحد أهم المفاصل التجارية التي يتطلع إليها الكيان الصهيوني في خطواته التجارية القادمة.

إن احتواء السودان إلى حظيرة التطبيع مع العدو الصهيوني هي خطوة أولى باتجاه تحقيق صفقة القرن الرديئة السمعة، والتي وضعت أمريكا ثقلها السياسي لتحقيق هذا التوجه من قبل العرب لقبولها، وهي هرولة غير مسبوقة من السودان للتطبيع مع العدو الصهيوني، وكشفاً للخلل الكبير الذي أصاب السودان وضمن التعويل الكامل على الولايات المتحدة الأمريكية، بهذا المعنى تبدو مواقف بعض الدول العربية واضحة ومفروزة من حيث كثافة التفاعلات أو من ناحية نوعية المواقف بالنسبة للقضية الفلسطينية.

إن الشعب الفلسطيني يخوض اليوم أقسى معاركه السياسية، والمطلوب من السلطة الفلسطينية ألا تكون سلطة متفرجة على ما يجري وهي تعرف تماماً بأن الشعب الفلسطيني قد أجهز أكثر من مؤامرة وأكثر من مشروع لا يخدم قضيته.

إن التمسك بسياسة المفاوضات هي سياسة مرفوضة من قبل الشعب الفلسطيني، لأنها سياسة عسيرة الهضم ومازالت تتمسك باتفاقية أوسلو هو أمر غير مفهوم أن يتم الاعتراف بالعدو يمثل الأرض ويقتل الشعب ويدمر الممتلكات والاقتصاد من دون أن تخطو السلطة خطوة إيجابية كسحب الاعتراف بإسرائيل، إلغاء الاتفاقية الأمنية استجابة لإرادة الشعب الفلسطيني.

إن تصويب الأوضاع يكمن في تأمين الحماية السياسية لها وبلورة برنامج كفاحي نحو انتفاضة شعبية شاملة يكون الاستقلال هدفاً رئيسياً لها، حيث لا أمن للاستيطان والاحتلال في فلسطين.

إن المرحلة الفاصلة التي يشهدها شعبنا الفلسطيني تتطلب الوقوف في جهة واحدة فاعلة يفرضها الإحساس بالمسؤولية الوطنية بعيداً عن الحسابات الفئوية.

وكما أسقط الفلسطيني كل المشاريع التي لا تخدم قضيته، فإنه قادر على إسقاط المؤامرة الأمريكية لصفقة العصر، وهي مؤامرة ساقطة فعلاً بوحدة الشعب الفلسطيني بكل أطيافه السياسية وتلاحمه النضالي سوف يستمر في نضاله حتى التحرير والعودة.

العدد 1102 - 03/4/2024