من إدلب إلى النفط.. روسيا الأقوى في الصراع

ريم الحسين:

 بعد رفض روسيا الطلب السعودي خفض إنتاج النفط، بعد اجتماع (أوبك بلس)_ أي دول أوبك زائد روسيا باعتبار أن روسيا ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، سارعت السعودية إلى خطوة تعتبرها انتقامية كما تعتقد، وذلك بخفض  أسعار النفط عن طريق زيادة إنتاج ضخمة، وأدت هذه الخطوة إلى جنون في البورصات العالمية وانخفاض حاد في أسعار النفط العالمي، رافقها الآثار الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا في العالم، وخصوصاً أن الصين أكبر مستورد للنفط نتيجة كونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقد تقلص حجم استهلاكها وكذلك الكثير من الدول أيضاً، نتيجة الإجراءات الاحترازية المرافقة لاجتياح وباء كورونا، ما أدى إلى انخفاض في أسعار النفط يسبق الخطوة السعودية التي انخفض معها البرميل حتى الآن إلى حدود 35 دولاراً، فضلاً عن التحليلات الكثيرة من الخبراء من المستفيد والمتضرر من هذه المواجهة وأسباب هذه الحرب النفطية بين الطرفين.

في البداية جاء الرفض الروسي لعدة أسباب، أهمها محاولة الأمريكي السيطرة على سوق النفط بعد اتفاق أوبك بلس في 2016 على تخفيض الإنتاج عن طريق شركات  النفط الصخري الأمريكية التي بدأت في اجتياح الأسواق وتعويض النقص، بعد أن راوح سعر برميل النفط بين 65 و 75 دولار ذلك أن تكلفة هذا النوع مرتفعة بحدود 60 دولاراً للبرميل، بينما تكلفة النفط الروسي لا تتجاوز 17 دولاراً للبرميل، وإذا انخفض إنتاج النفط سترتفع أسعاره، وبالتالي سيتمكن الأمريكي من تسويق نفطه بسهولة أكبر، وخصوصاً لدى حلفائه الأوربيين وعلى رأسهم ألمانيا أكبر مستهلك ومستورد للنفط في الغرب، والتي رفضت سابقاً لأن النفط الروسي أرخص وجودته  أفضل وطريق عبوره أقرب. ولا يخفى على أحد حرب طرق الغاز في عدة مناطق من العالم، وبالتالي اجتياح رأسمالي وحصة سوقية أكبر للنفط الصخري الأمريكي.

وهنا جاء دور السعودية المحمية الأمريكية في المنطقة، ذلك أن تكلفة إنتاج البرميل لديها أقل من الروسي وهي تصل إلى حدود 8 دولارات للبرميل الواحد، وزيادة الإنتاج وما يعقبه من تخفيض الأسعار لن يؤثر من وجهة نظرها، فمهما هبط سعر البرميل  تبقى هي الرابح الأكبر، ولكنها ستزعج الروسي بهذا الإجراء، ذلك أن قرارها إغراق العالم بملايين البراميل من النفط، فقبل هذا الإجراء كانت السعودية تنتج 6,9 ملايين برميل يومياً، أما الآن فهي تتعهد بأن الإنتاج سيصل إلى المستويات القصوى بحدود 13 مليون برميل في اليوم، وأنها ستتعقب عملاء روسيا  عن طريق تقديم خصومات كبيرة إليهم، فمثلاً سيتم بيع النفط الخام في شمال أوربا وهو السوق الرئيسي للروس بخصومات أكثر من 8 دولارات في البرميل الواحد، وفي الولايات المتحدة خصومات بحوالي 7 دولارات، وفي آسيا خصومات من 4 إلى 6 دولارات في البرميل، وبعد قرار السعودية قررت الدول المنتجة للنفط أيضاً (كدول الخليج) زيادة الإنتاج.

وعلى ما يبدو فإن حسابات السعودية ستكون وبالاً عليها، كما حدث مع التركي الذي ذلّ على أبواب الكرملين، وسيسارع محمد بن سلمان، المهتزّ عرشه من الأساس، للمفاوضات مع موسكو مجدداً للوصول إلى اتفاق آخر، فالروسي سيتأثر بالتأكيد من هذه الخطوة لكنه الأقوى في هذا الصراع، لأن اقتصاده متين وقائم ليس فقط على النفط، وهو رابع احتياطي للنقد في العالم، إذ يبلغ الاحتياطي النقدي في صندوق الثروة القومي 570 مليار دولار، والرابع أيضاً في احتياطات الذهب البالغة 2200طن ودون عجز في الموازنة وإنما فائض. وقد صرح الروسي أنه قادر على الصمود أكثر من عشر سنوات حتى لو وصل سعر برميل النفط إلى 25 دولاراً، بينما السعودية التي يعتمد اقتصادها كلياً على النفط، وبالرغم من انخفاض تكلفته إلا أن العجز في موازنتها المبينة على سعر نفط أعلى من الحالي، والخسائر التي ستمنى بها، ومهما بلغت احتياطات النقد السعودية البالغة 500 مليار دولار والتي ستجعلها قادرة على تحمّل انخفاض الأسعار فترة من الزمن، إلا أنها ستعاني من عجز مالي بحدود 140 دولار وخصوصاً مع العرض الكبير للنفط في الأسواق، وانخفاض الطلب بسبب التباطؤ الاقتصادي وخصوصاً في الصين، وتعليق السياحة والسفر حول العالم سيؤدي إلى تقليص الإنفاق العام لديها بسبب انخفاض الإيرادات، غير أنها إن كانت تستهدف إيران أيضاً من هذه الخطوة، فطرق نفطها تمر من مضيق هرمز، وللإيراني الكلمة العليا هناك .

العدد 1104 - 24/4/2024