معادلة غير عادلة

مرح محمد نبيل السمكري:

 زرع الله تعالى في النفس البشرية ميلها إلى الجنس الآخر، وحاجتها إليه، فكلّ رجل يميل إلى الأنثى بدوافع جسدية وعاطفية، وكل أنثى تميل إلى الرجل بالدوافع ذاتها، وأيضاً بدافع الاستناد عليه. ووجود الذكر مع الأنثى في علاقة صحيحة سليمة يولّد لديهما شعوراً من السكينة والراحة، كأن أحدهم كان في رحلة عاصفة عنيفة، وبمجرد رؤيته لشريكه يشعر أنه وصل إلى بيته الدافئ والآمن.

من حق كل كائن بشري أن يشعر أنه في بيته الدافئ، وأن يستقرّ في ظلّ الشريك الذي اختاره قلبه، لكن الأمور ليست بهذه السهولة، ولا تتوقف على العواطف فقط، خاصّة بالنسبة للرجل، فعلى الرجل في هذه البلاد البائسة أن يعيش الجزء الأول من حياته يعمل ويجمع المال، ليوفّر الحاجات الأساسية للزواج الذي يصعب أن يتمّ من غير مسكن، ومن غير تجهيزات السكن والمهر والذهب، وفوق هذا كلّه لم نذكر مصاريف القالب المرسوم للزواج والمتمثّل في عرس فخم بفستان كبير وتجهيزات جمالية للعروس تُكلّف مئات الألوف.

ربما ذكرت تلك النفقات بكلمات سريعة إلاّ أنها تؤرق حياة كل شاب، وتحوّل الزواج بالنسبة له إلى حلم صعب المنال.

 سأسرد لكم بعض التفاصيل عن حياة الشاب السوري المتوسط الدخل (لا الفقير المُعدم ولا الغني المُترف) والذي يمثل غالبية الشعب، يعمل الشاب في هذه البلاد ربما بوظيفتين أو أكثر، ليتقاضى في نهاية شهره حوالي 200 ألف ليرة سوريّة، من هذا المبلغ يجب عليه شراء منزل (متوسط المستوى) بمبلغ خمسين مليون ليرة سورية، وشراء تجهيزات منزلية أساسية بما يقارب عشرة ملايين ليرة، إضافة إلى نفقات ليلة العرس التي لن تقل عن مليون ليرة سورية. وفي حال جمعنا هذا (الحد الأدنى من النفقات) وقسمناه على دخله الشهري، فنرى أنه بحاجة إلى 305 رواتب (يعني 25 سنة فقط) ليجمع هذا المبلغ ويستطيع الزواج، وهذا ما ينافي المنطق والعقل والواقع.

لقد أصبحت آثار هذه المعادلة الهستيرية جليّةً في المجتمع، بين الفتيات اللواتي يتسوّلن على رجل، وبين رجال يتحرشون بكل ما هو أنثى، في محاولة لا أخلاقية لتفريغ طاقة الزواج لديهم، لذلك نرى حوادث اغتصاب وعلاقات لا توافق لا الدين ولا القانون ولا المجتمع أُقيمت في حالة رضا من الطرفين، في محاولة فاشلة للثورة على عادات المجتمع والغلاء، وصارت نسبة العنوسة لدى النساء والرجال مخيفة حقّاً.

لكن ما الحل؟؟

ربما تقول إحدى الفتيات إنها مُستعدّة للعيش مع حبيبيها (على الخبزة والزيتون) وتتّخذ من أغنية (عالبساطة) للشحرورة نشيداً رسمياً لعلاقتها، لكني أنا كأنثى واضحة لا تنتمي لهرطقات الإناث اللواتي يسقطن عند أول اختبار من نوع الخبزة والزيتون، أقول إن العرس والفستان الكبير ما هو إلّا وهم زُرع في أدمغتنا وفق قوانين مُترفة، لكن من حق كل فتاة أن تعيش في منزل محترم، وأن يكون لها مهر وفق الدين والقانون، وأن تعيش حياة كريمة لا مُعدمة، ومن يحبّها حقّاً لن يقبل لها أن تعيش الفقر والقلّة.

يمكنني القول إن السبيل إلى الهروب من الفقر هو (السفر أو الهجرة)، ففي هذا الكوكب تبذل جهداً وتلقى نتائج مرضية، إنما في زاويتنا تبذل جهوداً مضاعفة لتجد نفسك غير قادر على إحضار الخبزة والزيتونة تلك، فمن كان قادراً على التعب والكدّ فسيفلح خارجاً، ومن كان اتكالياً في وطنه، فسيصبح متسولاً خارجه.

العدد 1104 - 24/4/2024