حلمٌ بسيطٌ… إنَّما!

إيناس ونوس:

 جالساً منطوياً على ذاته، يفرك كفّيه أحدهما بالآخر، يشعر باليأس وانعدام الحيلة لأنه لم يتمكّن من تحقيق وعدٍ واحدٍ ممّا وعدها به.

مرميةً على سرير الخيبة والألم، تحاول التقاط بعض الهواء الذي لم يعد موجوداً، تضع يدها على فمها كابتةً غصّتها وآهاتها.

فبعد سنوات من العلاقة والحب والأحلام والآمال، بعد خلافاتٍ كادت تودي بهذه العلاقة المتكاملة، ومصالحاتٍ تعيد البريق لهذين القلبين الخافقين بالحياة، وبعد إعلام الأهل والأصدقاء عن حبٍّ نما في الأعماق، ورغبةٍ بإكمال مسيرة العمر معاً، بعد سلسلةٍ من الأحداث، يصبح كل شيءٍ مجرّد ذكرى!

لم يتمكّن أيٌّ منهما من تصديق ما جرى واستيعابه، كلّ ما بينهما يؤكِّد أنهما أروع نموذجٍ لأسرةٍ مستقبليةٍ، غير أن أمراً واحداً أوقف كل شيء، ووأد الحب والتَّفاهم والانسجام والتَّكامل، فهما لم يتمكّنا، بالرَّغم من كل محاولاتهما الحثيثة، أن يبنيا عشّ الزَّوجية بأبسط مقوِّماته، فراتبه وراتبها وعملهما الإضافي وكل ما ادَّخراه، لم يساعدهما على الاجتماع في بيتٍ صغير.

قرَّرا أن يكتفيا بأبسط الأمور والاحتياجات، في البداية، على أمل أنهما سيتمكَّنان فيما بعد من تأمين باقي المستلزمات، إلاّ أنَّ الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار الجنوني منعهما حتى من اقتناء غرفةٍ واحدةٍ تأويهما معاً، فالإيجارات وأسعار المفروشات والأدوات الكهربائية البسيطة ومستلزمات المعيشة بأقلِّها، أعلى وأكثر من أن يستطيعا تأمينها برواتبهما، ممّا جعلهما يفكِّران بالعيشة المشتركة مع الأهل ولو إلى حين، لكن البيوت الصَّغيرة التي بصعوبة تجمع أفرادها لا تستطيع استيعاب أي حركة من هذا النَّوع، ومع أنَّهما أجبرا نفسيهما على عملين إضافيين آخرين، وحرما نفسيهما حتى من اللقاءات الصغيرة تلهُّفاً للِّقاء الأبدي، بعد أن أوقفت حلمها بالفستان الأبيض ككل الفتيات، وعملت معه على إلغاء كثير من المصاريف بغية التَّوفير، إلاّ أن كلّ هذا لم يُجدِ نفعاً.

مرّت السَّنوات، والأحلام تتضاءل، والآمال تختفي تدريجياً، إلى أن وصلا إلى ذاك المساء الذي حمل الأسى والألم واللوعة التي لن يمحوها شيء بعد الآن، فقد قرَّرا الانفصال، والمضيّ كلٌّ منهما في طريقه، بعد أن حمَّل كلٌّ منهما نفسه السَّبب الذي أوصلهما إلى هنا، وبرَّأ الآخر من تحمُّل هذا الفشل الذَّريع! اكتفى كلٌّ منهما بعبارةٍ واحدةٍ: (خُلقنا في بلدٍ يئد الحب ويخنق أبناءه)!

يتقوقع على ذاته كاتماً صرخته، مدركاً أنه لا يحقّ له الصُّراخ، مذهولاً، متسائلاً: لماذا!؟

تكفكف دموعها التي تأبى التَّوقف، مستفسرةً: لماذا!؟

لماذا وصل شباننا وشاباتنا إلى هذا الطَّريق المسدود؟

لماذا لم نعد قادرين على العيش حتى بأبسط المقوِّمات؟

لماذا نلهث بحثاً عن العمل، وحين نجده لا يعطينا ما نستحقُّه؟

لماذا يجبروننا، بالرَّغم من وأد أبسط الأحلام، على الاختناق، واليأس والموت؟

وماذا يريدون أكثر؟

لماذا يدفعوننا للفاحشة والأفعال المنافية للأخلاق، في حين أننا نريد العيش تحت ضوء الشَّمس، ونرغب بتكوين أُسرٍ وإنجاب أطفالٍ نرى من خلالهم الأمل محقَّقاً؟

لماذا يغتالون كلّ ما هو جميلٌ فينا، ويدفعوننا للسَّرقة والاحتيال والكذب، وبعد ذلك يحاسبوننا؟

ولا تزال هذه ال (لماذا) لم تلقَ جواباً واحداً، ولن تلقى ما دام تجَّار الدَّم لم يشبعوا بعدُ، ولن يُشبعوا نهمهم إلاّ بعد أن يتيقّنوا من أنهم امتصُّوا دماء كلّ شيء، حجراً وبشراً وإنسانيةً.

العدد 1102 - 03/4/2024