ضربات الجيش السوري على وقع اتفاق (القيصر)

صفوان داؤد:

بعد تدهور الأوضاع العسكرية في محافظة إدلب، عقب الهجوم الذي قام به الجيش السوري على القوات التركية الغازية يوم الـ 27 من الشهر الماضي، وأدى إلى مقتل 34 جندياً تركياً، وفي محاولة للتوصل إلى اتفاق في شمال سورية، اتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن وصلت الأمور_ وإن كانت غير معلنة_ إلى حالة حرب تقليدية بين دمشق وأنقرة، على حد تعبير متين غورشان، أحد كبار المحللين السياسيين الأتراك. وجاء الاجتماع في وقت حرج، بعدما استخدمت أطراف القتال معظم أوراقها العسكرية، وأدى ذلك إلى خروج الوضع الميداني عن السيطرة، وباتت الخيارات إما التوصل إلى حل سياسي وتهدئة، أو المضي إلى مواجهة عسكرية كارثية سوف تستنزف جميع الأطراف. وفي ظل عدم نية الطرفين، الروسي والتركي، تصعيد المواجهة العسكرية بينهما لأسباب عديدة، توصل الطرفان الخميس الماضي إلى رسم خطوط توازن جديدة في حدود ما تسمح به الظروف السياسية المحيطة، وفي حدود ما حقّقه الجيش السوري على الأرض، سمح بموجبها أن تهدأ العمليات العسكرية، كخطوة مبدئية لرسم (ستاتيكو) جديد بين دمشق وأنقرة، خاصة وأن الأخيرة قد أدركت أنه لا يمكن الاعتماد إطلاقاً على حلف شمال الأطلسي، وهي في حالة غزو لأراضي دولة أخرى، وأكثر من ذلك أنه لا يوجد أي تهديد لتركيا على أراضيها من قبل الجيش السوري. حتى الولايات المتحدة ورغم التصريحات الكلامية هي في غير وارد الدخول في أي عملية عسكرية والانتخابات الأمريكية على الأبواب. من جهة أخرى كانت وسائل إعلام روسية قد ذكرت قُبيل اجتماع الرئيسين الروسي والتركي، استعداد الكرملين تزويد القوات الكردية بصواريخ مضادة للطائرات، في حال استمرت تركيا بتزويد المعارضة السورية بالمثل. وهذا ما وضع القيادة التركية في خوف شديد من توسع خطوط المواجهة، ودخول الجيش التركي في حرب استنزاف على طول حدود تمتد لمئات الكيلومترات.

اعتُبِرت القمة بين الرئيسين قمة إجرائية وليست شكلية، فقد أعقب اللقاء اجتماع وزيري خارجية البلدين واجتماع لمسؤولين رفيعي المستوى من كلا الطرفين، وأعاد الجانب الروسي التأكيد بعد الاجتماع على ما أكده مراراً، وهو أن قواته الجوية الفضائية لا تحمي سلامة أراضي الجمهورية العربية السورية وسيادتها فحسب؛ بل وتحارب الإرهاب أيضاً. وقال النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي، السيد ديمتري نوفيكوف: إن السلطات التركية لا تملك أيّ صلاحيات لتحديد مصير سورية. وجاء هذا الرد على خلفية افتراءات وأكاذيب قالها السيد أردوغان عن (شرعية) الوجود العسكري لتركيا في سورية، وأن (الجيش التركي قد دخل هذا البلد بدعوة من الشعب السوري وليس بدعوة من الأسد)، وهذا النفاق ليس مردّه سوى إلى نيّة أنقرة العدوانية ضمّ أجزاء من الأراضي السورية، أو الاحتفاظ بها لفترة طويلة وغير محددة.لقد قطع اجتماع بوتين_ أردوغان احتمال تطور أحد أكثر الاحتمالات سوءاً على سورية وعلى المنطقة ككل، وهو تصعيد النزاع بين أنقرة ودمشق إلى مستوى حرب شاملة. في هذا الوضع المرعب، كانت بؤرة التناقضات العالمية والإقليمية على موعد انفجار على الأرض السورية. ومن الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه تداعيات هذه الحرب بعد ذلك. الشيء المؤكد الوحيد هو أن تركيا لن تستطيع الفوز فيها. وأن الاجتماع الذي حصل قد أبعد هذا الاحتمال المرعب، وقَبِلَ بإرادة واضحة وقف المواجهة العسكرية، والعمل على إعادة رسم مستقبل الشمال السوري وفق نسخة معدلة عن اتفاق (سوتشي)، لاسيما فيما يتعلق بحدود (المنطقة الآمنة)، كما رسّخ هذا الاتفاق إنجازات الجيش السوري واستعادته القرى والبلدات التي كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وتأمين الطرق الدولية (إم 4 وإم 5) بعرض 6 كيلومترات على كلا الجانبين، وربما ستسمح التوافقات الناتجة عن هذه القمة مستقبلاً بإعادة التفكير جدياً بعودة مسار الحل السياسي وفق منظور وحدة الأراضي السورية وسيادتها، كما نص عليه حرفياً البيان الذي تلا اجتماع الرئيسين. ويشير تثبيت الجيش السوري للنقاط التي سيطر عليها وبدء عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق المحررة، إلى أن أنقرة ستقبل على المدى المتوسط بالانسحاب التدريجي لوحدات جيشها الغازي من محافظة إدلب بالكامل، وستقبل أيضاً برفع الغطاء العسكري واللوجستي عن المعارضة، ووقف العمل المسلح ضد الحكومة السورية، مقابل ثمن معين، وأكثر ما نخشاه أن يكون هذا الثمن على حساب السيادة والكرامة السورية، فالأطراف الإقليمية والدولية، كما علّمتنا الحرب السورية، ليست بالضرورة، أو بالأحرى ليست في وارد البحث عن مصالح الشعب السوري، بقدر البحث عن مصالحها التوسعية.

العدد 1104 - 24/4/2024