قراءة سريعة في اتفاق موسكو الأخير

د. صياح عزام :

تمخضت القمة التي عقدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع رئيس النظام التركي، وبإلحاح وطلب من الأخير، عن وقف لإطلاق النار في منطقة إدلب، بدءاً من منتصف ليل 5/3/2020، كنقطة بارزة في الاتفاق، وهذا يعني أن القوات المسلحة السورية ستبقى في الأماكن التي حررتها من سيطرة المجموعات الإرهابية، والتي تصل مساحتها إلى نحو 800 كم مربع، وبضمن ذلك مدينة سراقب الاستراتيجية، وبالتالي فإن المهلة التي أعطاها أردوغان لعودة الجيش السوري إلى مواقعه التي كان يتمركز فيها قبل بدء هجومه كانت مجرد فقاعات في الهواء، كما وصفها السيد الرئيس بشار الأسد في إحدى كلماته مؤخراً.

ويُجمع العديد من المحللين السياسيين على أن اتفاق موسكو بين الرئيس بوتين وأردوغان جاء لإنقاذ ماء وجه أردوغان، ومساعدته على النزول عن الشجرة العالية جداً التي صعد إليها، وتفريغ عمليته العسكرية الهجومية التي أطلق عليها مسمى (درع الربيع) من مضمونها ومن أي جدوى أو قيمة لها.

ويبدو واضحاً أن الاستراتيجية الروسية_ السورية المشتركة للتعاطي مع ما بقي من الإرهاب في إدلب وبعض أرياف حلب، والمدعوم من قبل نظام أردوغان سراً وعلناً، قد قامت على مرتكزات أساسية أهمها:

التقدم عسكرياً للجيش العربي السوري وحلفائه على مراحل، واستعادة المزيد من المناطق، مع العمل على تثبيتها في وقت لاحق باتفاقات روسية مع الجانب التركي الداعم للفصائل الإرهابية المسلحة، وتشكيل دوريات مشتركة روسية – تركية بمثابة ذرّ الرماد في العيون.

وبالطبع هي استراتيجية ذكية جداً وفاعلة تُبطل الخطط التركية المماثلة التي تقوم على دفع الأمور إلى حافة الهاوية، من خلال التصعيد العسكري غير المحسوب النتائج، والقائم على الانفعالية والهيجان غير المتوازن.

وقد ذكرت مصادر وثيقة الاطلاع أن المحادثات استمرت لأكثر من ست ساعات متواصلة، منها ما كان مغلقاً بين الرئيسين بوتين وأردوغان على انفراد، والتي أصر فيها كل منهما على موقفه، وخاصة الرئيس الروسي الذي كان شديد التمسك بمواقفه، لا سيما منها تأكيده أن الهجوم السوري في ريف إدلب جاء تنفيذاً لاتفاق سوتشي الذي لم تلتزم به تركيا، بل عملت ضده، خاصة ما يتعلق بالفصل بين الفصائل الإرهابية مثل جبهة النصرة وتوابعها الأخرى التي تسمّى (معتدلة).

ومن الإيجابيات الواضحة في اتفاق موسكو:

  1. عدم التطرق للمناطق التي حررها الجيش العربي السوري وحلفاؤه (أي أن الوضع الميداني الحالي سيبقى كما هو).
  2. إن طريق الدولي بين دمشق وحلب سيبقى تحت سيطرة الجيش العربي السوري بالكامل، ومن دون أي دور أمني للمجموعات الإرهابية وتركيا، وهذا أمر مهم جداً للاقتصاد السوري ولسيادة الدولة وهيبتها.
  3. فتح ممر آمن في منطقة إدلب بما يسمح للمدنيين من أهالي مدينة إدلب بالخروج من المدينة إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية، وهذا ما يحرم المجموعات الإرهابية من اتخاذ هؤلاء المدنيين دروعاً بشرية تحتمي فيها.

أما ما جاء في حديث الرئيس بوتين عن وضع وثيقة مشتركة تتضمن القرارات التي تم التوصل إليها، فهو يعني إدخال تعديلات جديدة وبسيطة على اتفاق سوتشي تعكس المتغيرات الأخيرة الحاصلة في منطقة إدلب، ويقدر العديد من الباحثين والمحللين السياسيين أنها ستكون محدودة جداً وهامشية، لإرضاء الجانب التركي وإظهاره بمظهر الحصول على مقابل لتنازلاته التي قدمها.

إذاً، المهم هو تثبيت المناطق التي استعادها الجيش السوري، وهي كبيرة من حيث المساحة كما أشرنا قبل قليل، وخاصة منها مدينة سراقب الاستراتيجية، والتي كانت تشكل معقلاً هاماً للإرهابيين.

  • وهناك أمر مهم في المحادثات، وهو تأكيد الرئيس بوتين أن تصرفات المجموعات الإرهابية هي التي أدت إلى استئناف العمليات القتالية، وإلى هجوم الجيش السوري، وأنها هي التي أدت إلى مقتل عسكريين أتراك، وهذه تبرئة واضحة وصريحة للجيش تلغي الأكاذيب التركية بتوجيه اللوم إليه في التصعيد الأخير وفي مقتل الجنود الأتراك.

باختصار.. إن القراءة الأولية لاتفاق موسكو الأخير، تشير إلى أن الرئيس الروسي قدّم لأردوغان السلّم للنزول عن الشجرة العالية التي صعد إليها، وتجنّب مواجهة عسكرية أكبر مع الجيش السوري، والجيش الروسي، الذي استقدم قبل أيام تعزيزات عسكرية هائلة، ولكن مع تضييق الخناق على الإرهابيين حالياً، ومع الاستعداد لجولة قادمة لتصفيتهم نهائياً.

والآن تكمن أزمة أردوغان في ثلاثة أمور أو مسائل، المسألة الأولى مع الاتحاد الأوربي، فقد استخدم أردوغان موضوع اللاجئين السوريين كورقة للضغط على الأوربيين، ولكنها أعطت نتائج عكسية، إذ أعلنت الدول الأوربية أنها لن تخضع لهذا الابتزاز التركي. والمسألة الثانية محلية، تجلت في العراك في البرلمان التركي، احتجاجاً على التدخل التركي في سورية ومقتل جنود أتراك، والثالثة هي كيف سيواجه أزلامه من المجموعات الإرهابية التي ترى في اتفاق موسكو تنازلاً للروس؟!

العدد 1104 - 24/4/2024