العمالة الفلسطينية في لبنان

موسى الخطيب :

منذ عام 1948 حتى اليوم، لم يُلمس أن الدولة اللبنانية أعطت موضوع الوجود الفلسطيني في لبنان الأهمية التي يستحق، لجهة تنظيم أوضاعهم القانونية.

فقد أصدرت وزارة العمل اللبنانية، مثلاً، العديد من والقرارات، هدفت جميعها إلى الإمساك بالأعداد الكبيرة لهم، مع قناعتنا التامة بأن الوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود قانوني ومشروع بموجب بطاقة صادرة عن مديرية الشؤون السياسية واللاجئين، وهي تتشابه من حيث التعريف والتسجيل مع بطاقة المواطن اللبناني.

ومن المعلوم أن المهن المحظورة على العامل الفلسطيني ممارستها تبلغ نحو 36 مهنة، هي: الطب العام، طب الأسنان، الطب البيطري، العلاج الفيزيائي، صنع النظارات وبيعها، فتح دور الحضانة واستثمارها، الصيدلة، التمريض، القبالة، إدارة المختبرات الطبية، ملكية المخبر الطبي، فني، مخبري مجاز، خاتن، تحضير الأطراف الصناعية والأجهزة التقويمية وتركيبها، إدارة مركز نقل الدم، معالج انشغالي، مراقب صحي مجاز، عامل مجاز في علم التغذية، ملكية المستشفيات الخاصة، المحاماة، الهندسة، الهندسة الزراعية، الطبوغرافيا، الملاحة الساحلية، بيع التبغ بالجملة، خبير محاسبة، صاحب أو مندوب مكتب استخدام عاملات الخدمة المنزلية، دليل سياحي، صاحب لوحة سيارة عمومية، تعليم قيادة المركبات، تعقب المعاملات لدى مصلحة تسجيل السيارات، رخصة قيادة عمومية، العمل ضمن القطاع العام بكل أسلاكه والمؤسسات العامة.

وبات هذا الواقع سبباً مباشراً لممارسة أشكال من القهر والتمييز ضد اليد العاملة الفلسطينية.

إن الحديث عن منافسة اليد العاملة الفلسطينية لليد العاملة اللبنانية ليس سوى كذبة كبيرة لا أساس لها في واقع الحال، يراد منها تبرير سياسة الدولة اللبنانية بحرمان كل فئات الشعب الفلسطيني من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية، بل هي قبل كل شيء مشكلة سياسية كما كل الملف الفلسطيني، وحلها يجب أن يكون سياسياً وخارج إطار التوظيف السياسي.

ومن أشد الأمور مرارة اتخاذ الدولة اللبنانية قراراً جائراً يمنع الفلسطيني من إدخال مواد بناء لترميم بيته، كما حذرت الدولة اللبنانية من إدخال أي قطعة أثاث إلى المخيم، بذريعة عدم السماح بالتوطين.

إن الموقف الحاسم والرافض للتوطين باعتباره موقفاً فلسطينياً جامعياً يدحض كل المزاعم، لكن الموضوع السياسي الذي تتبناه السياسة الرسمية اللبنانية يعود لأسباب ديمغرافية وسياسية ذات أبعاد طائفية.

إن اليد العاملة الفلسطينية في لبنان ليست عالة على الدولة اللبنانية، لأن العنصر الفلسطيني منتج وعنصر فاعل في إثراء النهضة الثقافية وفي إغناء الاقتصاد اللبناني.

اسألوا من أنشأ بساتين الحمضيات في جنوب لبنان؟ ومن طوّر حرفة صيد الأسماك في صيدا؟ من يزود سوق الخضار في صور بالبضائع؟ ومن هو المستهلك الأكبر لبضائع سوق الخضار في صيدا؟ اسألوا أرباب الحركة التجارية في طرابلس وعكار، اسألوا المزارعين في سهل البقاع.

لقد كان الفلسطينيون رواداً في شتى المجالات التي استفاد منها لبنان، فنقلوا إلى لبنان مشاريع ونظماً إدارية ومؤسسات جديدة تماماً، فأفادوا الاقتصاد اللبناني، وكان لهم دورٌ أساسي في ازدهار لبنان خلال 70 عاماً.

إن أول شركة لتوزيع الصحف والمطبوعات أسسها فلسطيني هي شركة فرج الله، وأول سلسلة محلات لتجارة الألبسة الجاهزة هي محلات عطا الله فريج الفلسطيني، إن أول من وصل إلى القطب الجنوبي في بعثة علمية ورفع العلم اللبناني هناك هو جورج دوماني الفلسطيني، وكان أول من أسس محلات (سوبر ماركت) هو أدوين إيبلا الفلسطيني، وصاحب سلسلة المطاعم الشهيرة في مطار بيروت الدولي وأول من أسس شركة تأمين هو باسم فارس، الفلسطيني.

أول من أسس شركة لتدقيق الحسابات هو فؤاد سابا وشريكه كريم الخوري، وكان أول من بادر إلى إنشاء مباني الشقق المفروشة هما ألفرد سبتي وتيوفيل بوتاجي أيضاً، وأول من قاد طائرة جمبو في شركة الطيران للشرق الأوسط هو حنا حو الفلسطيني.

إضافة إلى الكثير من الرواد على المستوى الثقافي والموسيقي والفني والرياضي، نذكر منهم سمير إسحق، جوني عبده، منير أبو فاضل، منى الهراوي في السياسة. وفي المجال الفني حليم الرومي، وعبود عبد العال، سلفادور عرنيطة، عبد الكريم قرموز، محمد غازي. وفي الرياضة عمر إدلبي، جمال الخطيب، عطا النابلسي، إبراهيم مناصري. ومن رجال الأعمال: باسم فارس، بدر إبراهيم، محمد دماميش، فؤاد السعيد، نهاد السعيد، أدوين إيبلا، رفعت ورامي النمر، يوسف بيدس، حسيب وسعيد خوري.

ألا يستحق كل هذا الشعب الذي يملك كل مقومات الدولة قليلاً من الاحترام، ومعاملةً تليق بإنسانيته، يا أصحاب القرار السياسي في لبنان!؟

العدد 1102 - 03/4/2024