أمّ ومعلّمة.. وقبل كل شيء: امرأة!
وعد حسون نصر:
أنا وأنت وصديقتي وأختي وأمي نساء في هذا المجتمع، لا أريد أن أكون تقليدية وأن نُصنّف بأننا نصف المجتمع، لأن كلّاً منّا أولاً إنسان يُشكّل مجتمعاً كاملاً، فلا يمكن أن نقف على حياد أو نكون (النصف) أمام عراقيل فرضها واقع صعب على كلّ جوانب الحياة، ولعلّ أهمها الجانب المادي ضمن قوقعة الحرب داخل بلدي وفي الدول المحيطة. والآن لا يُفترض أن نقف على حياد، فنحن، أمهاتٍ وأخواتٍ وزوجات، علينا أن نكون صفاً واحداً إلى جانب الشريك، لمواجهة وباء العصر ومرض البلدان النامية: (الفقر)! فلم يعد الرجل وحده من يقف بوجه تقدّم المرأة، بل هناك خطر أقوى على كليهما معاً ألا وهو العوز المادي والتضخّم الاقتصادي، لذلك ترتّب علينا معاً رجالاً ونساءً أن نقف بوجه هذه الضائقة التي صرفتنا عن أحلامنا، عن الحب، عن الضحكة، عن الفرح، عن احتضان أبنائنا، عن قبلة الصباح على وجوه أطفالنا، فلم تعد ليالينا خيمة السهر، بل باتت استشارات ومخططاً مُسبقاً لصباح غاب عنه صوت فيروز مع غياب الكهرباء، ورائحة القهوة لم تعد تُعطّر صباحنا مع غياب الغاز، وغياب الدفء مع المازوت، لا حياة تُبشّر بالحب والراحة واليوم السعيد، ولا السماء تحتضن صوت العصافير، فقد غاب الشجر وأضحى وقوداً للمدفأة، فكيف ننتظر أن يُطربنا العصفور وقدماه فقدتا الغصن الذي يحملهما. فمن يغيب عنه أن الفقر يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، ويشكل تهديداً للأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي؟ فهو واحد من أكبر التحديات التنموية التي تعاني منها مختلف دول العالم، بغضّ النظر عن مستوى تطورها أو تخلفها الاقتصادي والاجتماعي، فالفقر ظاهرة موجودة لا يخلو منها أي مجتمع، مع التفاوت الكبير في حجمها وطبيعتها والفئات المتضررة منها. إن انخفاض الدخل للفرد أو الأسرة يُشكّل العمود الفقري لهذا المفهوم، ولذلك لابد أن تكون المرأة معيلة ومشاركة في المجتمع، وأن تسهم في تخفيف أعباء كثيرة عن الرجل، وخاصةً في هذا الزمن المُحاط بالقهر الناجم عن الغلاء، وضعف قوة الشراء واستغناء الكثير منّا عن سلع تحت مُسمّى كماليات، وبالتالي بالفقر تكمن المساواة بين الرجل والمرأة، وينبغي الاعتراف بالدور الهام للوالد، هذا الزوج الذي غالباً ما يُخبئ ضغوط الحياة، ويصدرها للأسرة ضحكة ومحبة وأماناً، لأنه استطاع أن يقدم جزاًء من المطلوب، رغم قهر نفسه بضغط الظروف.المعاناة الآن لا تقف عند تحرّر المرأة من سلطة رجل أو نظرة مجتمع أو تهميشه لها، إنها معاناة الجميع في هذا الزمن: قهر وحرمان يمارسان على المجتمع بكامله، قرارات تطول قوتنا اليومي ولقمة عيش أطفالنا، لدرجة أن الجميع بات يعمل ليؤمّن المصروف ومستلزمات ومطالب الحياة يوماً بيوم، لذلك وقوف المرأة مكتوفة الأيدي عجز كامل لنهضة المجتمع، لأننا نعاني من حصار طال كل نواحي معيشتنا، فلا يمكن للرجل وحده أن يواجه هذا الحصار، كذلك ينطبق على المرأة، ولا نتجاهل الضغط النفسي الذي نعيشه، ونتصارع معه، ولا يمكننا أن نخفيه من حولنا، وخاصة إذا كنّا بموقع مسؤولية كالمعلمة والمعلم الذين يقفون يومياً أمام عدد من الطلاب لتوصيل أفكار ومعلومات وأداء مهمة غاية في الأهمية، فيا ترى هل يستطيع المعلم أداء مهمته في إيصال المعلومات وهو في غاية الإرهاق النفسي والتعب الروحي والجسدي، إضافة إلى أن ضغوط الحياة والقرارات الجائرة جعلتنا لا نصارع كنساء من أجل التحرر من سلطة الرجل، بل بتنا نصارع من أجل البقاء ومواجهة ضغوط الحياة من غلاء وبطالة وقرارات جائرة تمارس على المواطن من الجنسين، فلم تعد المرأة قادرة على العطاء سواء كانت أمّاً أو مربّية أو حتى طبيبة، فقد بات الفكر مشغولاً بكيف أقف بوجه الزمن وأسحق الفقر والحرمان بأسناني حتى أطعم أبنائي؟1 وكذلك الرجل بكلّ مهامه إن كان أباً أو مربي أجيال، فهو ضعيف أمام جور الزمن، والأفواه المفتوحة، لذلك أصبحنا كلنا واحداً يصارع الزمن لنستطيع أن نعيش حياة نوعاً ما ضمن المألوف، وخاصةً أن نسبة كبيرة من أبناء سورية أضحت تحت خط الفقر، وبات همّنا أكبر بكثير من الصراع للخروج للعمل وإثبات الذات، لأن كلاً من الرجل والمرأة بات يبحث عن ذاته بعيداً عن الفقر والجوع، يبحث عن لقمة العيش للأفواه المفتوحة التي تنتظر عودته للمنزل محملاً بأطيب الأكلات، فهل هناك أشدُّ ظلماً من الفقر؟! ذلك أنه يحجب روحك عن العطاء وفكرك عن الحلم، ويصبح همّك الوحيد السير بكل الطرق وراء لقمة العيش، وهنا يتساوى كلٌّ من الرجل والمرأة تحت خط الفقر، مع اختلاف طريقة التعبير عنه.