حلم يتحول شبحاً؟!

ماري مرشد:

جلست سلمى قرب سرير طفلها تراقبه بصمت وهو قابع في سريره هادئاً توحي تفاصيله بكل البراءة والجمال، تلهو النسمة بشعره المُجعّد الجميل كما لو أنه ملاك بملامح بشرية، وعفوية غالبة ترمز للوهلة الأولى بالهدوء والطمأنينة.

 ولكن ما لا يتصور أن هدوءاً بمثل ذلك يتحوّل الى مشاكسة كبيرة وصوت صراخ غير منقطع النظير، تصاحبه أوقات طويلة من البكاء ورفض الطعام.

كانت سلمى تنتظر هذا الطفل بفارغ الصبر وتعدُّ الأيام تلو الأخرى لتُرزق بهذه النعمة، وتكاد لا تصدق أنها سوف تراه أمامها وتضمّه إلى صدرها، فتجربة الأمومة لأول مرة كانت تستحوذ على عقلها وتدهشها صور الاطفال حين تراها في الـ(سوشيل ميديا)، أو عندما كانت تلاعب أيَّ طفل صغير، وأيّ غرض صغير لملابس الاطفال كان يسترعي انتباهها وتهرع مسرعة لتشتريه مهما كلّفها الأمر, وتجد سعادتها في ترتيب الغرفة وتزيينها بشكل لافت وجذاب. لكن ما كانت تجهله هو ما سيحدث بعد ولادة الطفل، فبعد أن جاء الطفل المُنتظر انتابها شعور غريب ولم تستطع أن تعش تلك الحالة الطبيعية ولا أن تتعامل بشكل اعتيادي معه، لإحساسها باكتئاب كبير وضجر، ولم يكن هناك أحد يُنبّهها للخطوات التي يلزم اتخاذها، ربما غربتها وبعدها هي السبب، كانت وحيدة تقف عاجزة أمام صراخه الطويل، لا تعلم ما يجب فعله، أتطعمه أم هو مريض أم ماذا؟

والكثير من المعاناة المرافقة من عدم النوم والقلق وعدم انتظام مواعيد يومها بالكامل، وكان كل ما تريده هو أن تتخلّص من هذا الشعور الملازم الذي منعها حتى من الخروج من المنزل، لما كانت تحسب أن المهمة صعبة جداً ويلزمها الكثير من التجهيز.

ما نتحدث عنه هنا هو اكتئاب ما بعد الولادة، ويعرف بأنّه أحد أنواع أمراض الاكتئاب الذي تعاني منه بعض النساء بعد الولادة، ويستمر مدّة تتراوح بين عدّة أسابيع إلى عدّة أشهر، وتُقدّر نسبة النساء اللاتي يعانين من هذه المشكلة بنحو 20% تقريباً، وتوجد العديد من العوامل التي قد تلعب دوراً في إصابة الأم بهذا النوع من الاكتئاب، مثل التغيّرات الهرمونيّة، والكيمياء العصبيّة، والتاريخ الصحيّ والنفسيّ للأم. وتجدر الإشارة إلى أنّ اكتئاب ما بعد الولادة لا يدلّ على عدم محبّة المولود الجديد من قِبَل الأم كما يعتقد البعض، بل هو اضطراب نفسيّ يمكن علاجه بفاعليّة عن طريق تقديم الدعم النفسيّ وبعض العلاجات الطبيّة، كما أنّ الشعور بالحزن أو الاكتئاب بعد الولادة يُعدّ أمراً طبيعيّاً في حال عدم استمراره لفترة طويلة، أمّا في حال تجاوز هذه الحالة مدة تزيد عن أسبوعين فقد تكون المرأة مؤهلة لتشخيص إصابتها بهذا النوع من الاكتئاب، ومن الجدير بالذكر أنّ نتائج إحدى الدراسات بيّنت أنّ 10% تقريباً من الآباء الجدد يعانون من اضطراب اكتئاب ما بعد الولادة أيضاً، بمعنى أن يعاني منه الاب ولكن بنسب قليلة جداً، ممّا يتوجب في هذه الحالة اللجوء للدعم النفسي وأخذ الاستشارات ممّن خاضوا تلك التجربة وما هي الأمور التي صاحبت ذاك الشعور وكيف تمّ التخلّص منها، أو اللجوء لطبيب مختص يستطيع تقدير الحالة والمساعدة. ولا ننسى أن لوسائل التواصل الاجتماعي دورها الإيجابي لما تقدمه من معلومات حول الموضوع، من خلال القصص التي تُروى أو من الأسئلة المتاحة التي تأتي إجاباتها جاهزة.

علينا ألا ننسى أن الأمومة والتربية من أصعب أمور الحياة، لما تحمله من أعباء ومسؤولية على الأم والأب معاً لما لهما من دور في التنشئة وبناء أسرة متماسكة.

العدد 1102 - 03/4/2024