كيف تُواجه الأزمة الاقتصادية والزراعة مهملة؟

محمد علي شعبان:

لا يمكن مواجهة الأزمة الاقتصادية إلا بالاعتماد على الزراعة ومنع استيراد الكماليات ودعم وتشجيع المنتج المحلي .

بعد تدهور الحالة المعيشية لغالبية الشعب السوري جراء العقوبات الاقتصادية والحصارمن قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ومن يتحالف معها من جهة، وسوء إدارة الأزمة في توزيع السلع والمواد الغذائية النفطية من جهة ثانية.

فقد بات من الضروري البحث جدياً عن آلية جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه الطبقات الاجتماعية الفقيرة بمسؤولية عالية تخفف من معانات الفقراء الذين باتت ظروفهم مأساوية تستحق التعامل معها بكل جدية لوقف التدهور الذي يهدد حياتهم ويعرضهم لخطر المجاعة، فكيف يتم ذلك ؟

لاشك أن التوصيف الصحيح للازمة ومعرفة أسبابها الدقيقة تساعد باستنباط بعض الحلول التي تخفف من آثارها الكارثية.

سأتجاوز الحديث عن العوامل الخارجية المتعلقة بالحصار الاقتصادي على أهميتها وأتحدث عن الأسباب الداخلية وتحديد دورها وسبل معالجتها .

ليس خافياً على أحد أن غالبية الشعب السوري والمهتمين بالشأن العام يعرفون تمام المعرفة أن الاقتصاد السوري يقوم بشكل أساسي على مورد أساسي يتفرع عنه موارد أخرى إضافية شكّلت الأمن الغذائي طيلة قرون من الزمن.

المورد الأساسي هو الزراعة التي تشكل العمود الفقري للإقتصاد الوطني، و تدعم بعض الصناعات الزراعية وتؤمن المواد العلفية للثروة الحيوانية التي تشكل الداعم الرئيسي للاقتصاد الوطني بعد الزراعة.

تتميز سوريا بمناخ معتدل يصلح لجميع الزراعات التي شكلت القاعدة الاقتصادية لسورية منذ زمن طويل، لكن اليوم نشاهد العديد من الخضار والفواكة ومواد أساسية مستوردة موجودة في الأسواق وبأسعار خيالية كانت متوفرة قبل الازمة بأسعار رخيصة جداً مصدرها السوق المحلية التي تضاهي بجودتها المواد المستوردة.

على سبيل المثال، لم تستورد سورية في الماضي مادة البصل التي كانت متوفرة وتكفي السوق المحلية وتصدر لدول الجوار.

لقد كان سعر كيلو البصل الواحد قبل الأزمة يتراوح بين الخمس ليرات وسبع ليرات سورية، أما اليوم ما يقارب 400 ليرة سورية، ومثلها الكثيرمن المواد.

وهذا يترك العديد من إشارات الاستفهام للبحث عن الأسباب وتقديم إجابات مقنعة.

سورية بلد الخيرات الوفيرة والمتعددة وأرضها الخصبة والغنية تمانع أن يحتاج المواطن السوري لاستيراد حاجاته الضرورية من خارج الحدود، لولا أن سبباً استثنائياً قد حصل.

ساستفيض قليلاً بذكر المحاصيل الزراعية التي تنتجها سورية و تجعل المواطن يعيش بكرامة دون الحاجة للاستيراد إذا توفرت العوامل الأساسية لتطوير الزراعة وحماية المزارعين .

1-المحاصيل الأساسية التي تكفي حاجات السوق المحلية وتزيد لتصدر للخارج (القمح، والشعير، والقطن، والبقول بأنواعها، والفستق السوداني، والشمندر السكري، والذرة، وفول الصويا، وبذور عباد الشمش، والتبغ، إضافة إلى المحاصيل الساحلية كالحمضيات والزيتون والبندورة البلاستيكية .

إن هذه المحاصيل تساهم في الحركة الصناعية، وترفد الأسواق بصناعات هامة وضرورية، سأذكر جزءً منها على سبيل المثال (القطن) في القرن الماضي كان يُصدر جزءً منه والباقي يخضع لمعالجة محلية في المحالج الخاصة بالقطاع العام، ليتم فصل البذور واستخراج الزيوت والأعلاف منها، ثم إرسال القطن المندوف إلى معامل الغزل والنسيج الموجودة في عدة محافظات، إذ كان الخيط السوري من أفضل الخيوط عالمياً، بالإضافة لمعمل الزيوت الذي يستخرج من زيوت القطن، الذي كان يحقق جزءً هام من حاجات المواطنيين لزيت القطن، حين كانت الأسواق مليئة بمشتقات الحليب كالزبدة والجبنة وغيرها وبأرخص الأسعارعندما كان الاهتمام بالثروة الحيوانية بشكل أفضل مقارنةً بأيامنا هذه حيث أصبحت كيلو اللبن الطبيعي بدون غش حلماً للفقير، أما زيوت الذرة وعباد الشمش وفول الصويا التي تملأ الأسواق المحلية مستوردة من تركيا وغيرها.

ما هو مبرر وجودها ؟

إذا كانت المواد التي تُزرع في سورية تشكل أمناً غذائياً من الزيوت والأعلاف وتكفي الأسواق المحلية ويمكن تصديرها كما كان يحصل سابقاً، وجميعكم يعرف أن القمح والشعير المحلي هو أفضل الأقماح في دول العالم وخاصةً النوع القاسي الذي

يستخدم لتصنيع المعجنات والحلويات الفاخرة ، وهذا يعود لطبيعة المناخ السوري المعتدل بصورة أساسية .

2-محاصيل موسمية تكفي حاجات الوطن و الأسواق المحلية، الخضار والفواكه بكافة أنواعها، وتقسم إلى قسمين:

الأول: أنواع قابلة للتصنيع والتعليب لتدعم الصناعات الخفيفة، كمعامل الكنسروة والمعلبات (مثل البندورة، والحمضيات، والزيتون، والفستق الحلبي، والتين السوري المميزعالمياً بجودته، والفواكه بأنواعها، القابلة للتعليب والخزن).

والثاني الخضار المتنوعة المستهلكة في الحاجات اليومية التي ساذكرجزءً منها على سبيل المثال ( البندورة، البطاطا، البصل، الفليفلة، الفاصولياء، اللوبياء ، الكوسا، الخيار، الباذنجان، ملفوف، قرنبيط (الزهرة)، البامياء، الفجل والفول وغيرها).

والسؤال: (لماذا يتم استيراد بعض المواد التي يمكن الحصول عليها من السوق المحلية وبأقل كلفة! إذا كانت كلفة الإستيراد والتخليص الجمركي سنوياً لمادة الزيت تكفي لبناء عدة معامل لإنتاج زيت الصويا، وعباد الشمس والذرة.

لماذا تتقاعس الدولة عن استيراد معمل للزيوت ليتم الإستغناء عن الإستيراد وتوفير العملة الصعبة لأشياء أكثر ضرورة؟ وتأمين أعلاف خاصة لمادة الفروج من فول الصويا المنتج محلياً، وأعلاف للمواشي من الذرة والقطن وعباد الشمش!

قد يسأل أحدكم (أين المشكلة، لماذا لا يحصل ذلك _وهو محق_ )

إن سياسات الحكومات المتعاقبة تجاه الزراعة لم تكن تشجيعية إطلاقاً رغم معرفة غالبية المهتمين بالشأن العام.

إن الزراعة هي عصب الحياة، وهي التي تساعد الدولة بالوقوف على أرضية صلبة ومتينة، وهي التي تساعدنا على الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة.

لكن ليس بنفس النهج الذي اتبع سابقاً، فلا يمكن النهوض من الحالة الاقتصادية الراهنة إلا بإعادة الإهتمام والدعم الكامل لقطاع الزراعة، وتقديم كافة التسهيلات والقروض التشجيعية للمزارعين والعمل على تأمين

مادة المازوت التي تشكل حجر الأساس للإنتاج الزراعي، و بأسعار تشجيعية ليتمكن المزارعون من سقاية محاصيلهم من الآبار الارتوازية في حال عدم توفر مياه السدود، وخاصةً في سنوات الجفاف.

إن تدني مستوى الإنتاج الزراعي وعدم الإقبال على الزراعة مرتبط بشكل مباشر بسب عدم تأمين مادة المازوت المرتبطة بكافة الآلات الزراعية المعنية بالحراثة ونقل المحصول وتسويقة وأجور الحصادات والجرارات، بسبب ارتفاع وفقدان مادة المازوت خلال المواسم.

هل يعقل أن تكون أجرة حراثة الدنم وحصاده تقدر بكلفة 12000ليرة سورية بحجة أن المازوت غير متوفر إلا في السوق السوداء!

وليس خافياً على أحد أن عودة النشاط الزراعي كما كان بالسنوات السابقة قبل سنة 2011 ينعش قطاعات واسعه خدمية و صناعية وتجارية وتنتعش المراعي وتتكاثر الثروة الحيوانية بسبب توفر الأعلاف وبأسعار رخيصة، ويتم الاستغناء عن استيراد العديد من المواد الغذائية من الخارج. فالاعتماد على الذات ومنع استيراد الكماليات وتشجيع القطاعات الأنتاجية وبشكل خاص الزراعة والثروة الحيوانية وتدخل الدولة بشكل مباشر بطريقة حديثة لمراقبة وتأمين ما يلزم، يشكل المدماك الأساس للنهوض بالاقتصاد الوطني بعيداً عن تجار الأزمات وسلوكها التدميري الذي اوصل الحال إلى ما نحن فيه الآن.

 

العدد 1104 - 24/4/2024