تقهقر العدالة أمام توحّش رأس المال
إيمان أحمد ونوس:
منذ ظهور الإنسان على وجه الأرض وحتى يومنا هذا، لا يزال البحث والسعي جارياً لتحقيق العدالة بين البشر. ومنذ أبيقور قبل الميلاد مروراً بأفلاطون وابن خلدون وكانط وجان جاك روسو وصولاً لأعتى فلاسفة العصر الحديث لم يصل الإنسان إلى عدالة اجتماعية حقيقية تليق بإنسانيته لاسيما في مجتمعات الدول الفقيرة أو النامية. وذلك بسبب التفاوت الحّاد في المكتسبات والحقوق الذي أدّى ويؤدي لانعدام المساواة بين البشر.
معجم أكسفورد البريطاني عرّف العدالة الاجتماعية على أنها: (التوزيع العادل لكل من(الثروة، الفرص، الامتيازات) في المجتمع).
بدورها عرّفت منظمة الأمم المتحدة العدالة الاجتماعية على أنها (المساواة في الحقوق بين جميع الشعوب، وإتاحة الفرصة لجميع البشر من دون تمييز للاستفادة من التقدّم الاقتصادي والاجتماعي في جميع أنحاء العالم).
إن العدالة الاجتماعية من أهم مبادئ وأُسس التعايش السلمي والمُزدهر داخل الدول أو فيما بينها، وذلك عبر المساواة، وضمان حقوق كافة الشعوب من خلال المحاولات الدائمة للقضاء على جميع العوائق التي يُعاني منها الناس نتيجة التمييز بينهم بسبب الجنس أو السن أو العرق أو الدين أو الثقافة أو العجز.
في العصر الحديث ظهرت كلمة العدالة الاجتماعية في أدبيات منظمة الأمم المتحدة في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين، بمبادرة من الاتحاد السوفيتي وتأييد الدول النامية، حيث اعتُمِدَت العدالة الاجتماعية في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأمم المتحدة في 16 كانون الأول عام 1966 والذي دخل حيّز التنفيذ عام 1976 أي بعد عقد من الزمن. ليعود الاهتمام مُجدّداً بتلك العدالة عبر قمة كوبنهاغن العالمية للتنمية الاجتماعية عام 1995 حيث تمّت صياغة (إعلان كوبنهاغن) الذي أكّد على ضرورة العلاقة التبادلية بين العدالة الاجتماعية والأمن والسلام، فهما ضروريان لتحقيق العدالة الاجتماعية التي لن تتحقّق بدونهما في كافة الدول.
ولأن غالبية الشعوب تفتقد لأدنى شروط العدالة الاجتماعية، سعت الأمم المتحدة لمواكبة تطلعات تلك الشعوب بأن خصّصت يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية لتذكير العالم بأهميتها وبضرورة تطبيقها.. وقد حُدِّدَ شعار العام الحالي تحت عنوان (جسر هوّة التفاوت لتحقيق العدالة الاجتماعية).
وإذا ما نظرنا إلى واقع الشعوب في الألفية الثالثة نجد أن غالبيتها العُظمى تُعاني من انعدام أدنى شروط العدالة الاجتماعية، حيث يسود الفقر والبطالة والجوع بسبب حكومات تابعة في غالبيتها للدول الكبرى، وتسلّط تلك الحكومات على شعوبها وهدر حقوقها ونهب خيراتها، وأيضاً بسبب أطماع الدول الرأسمالية في خيرات تلك الشعوب، إضافة إلى الأزمات المالية والاقتصادية التي تمرُّ بها الرأسمالية بين الحين والآخر والتي تنعكس على البلدان والشعوب الفقيرة بحروب متنوّعة تحت ذرائع وأسباب شتى تصبُّ جميعها في خانة المصالح الرأسمالية للدول الكبرى المُسيطرة على العالم، ممّا يؤدي لانعدام حقيقي للأمن والسلام والاستقرار في تلك البلدان. وهذا ما نعيشه في بلادنا اليوم ونُعايشه في بلدان أخرى، حيث الحروب التي لم يهدأ سعيرها منذ أكثر من عقد من الزمن، أدّت إلى تشرّد الملايين ونزوحهم وجوعهم وافتقادهم لأدنى شروط الإنسانية التي تستوجب عدالة كاملة غير منقوصة، إضافة إلى استشراء الفساد في تلك البلدان ممّا جعل الهوّة كبيرة ما بين قلّة حاكمة تستأثر بالغنائم والخيرات، وغالبية تعيش ظروفاً لا تليق بالحيوانات في ظلّ مناخ لا ترحم برودته أو حرارته حتى الصخر، وكلُّ هذا يؤكّد أن العدالة الاجتماعية في العالم باتت أشبه بتراث أسطوري لا يمكن للإنسان في المدى المنظور الوصول إليه، ولا يُمَكّن بالتالي الأمم المتحدة من تحقيق شعارها لهذا العام في جسر هوّة التفاوت لتحقيق العدالة الاجتماعية.