مفهومٌ برسم الاغتيال

إيناس ونوس:

منذ تشكّل الطَّبقات في المجتمع البشري، لا يزال الإنسان يبحث عمَّا يُسمَّى بالتَّوزيع العادل، سواء في الثَّروات أو في الممتلكات أو في الحقوق والواجبات، ذلك بأنَّه أكثر كائنٍ عرفته الأرض أنانيةً وحباً للسَّيطرة والتَّملُّك، مستخدماً في سبيل تحقيق غاياته تلك كل ما استطاع إليه سبيلا من ملكاتٍ عقليَّةٍ وقدراتٍ فكريَّةٍ أو جسديةٍ أو إلخ.. ما أدَّى ولا يزال إلى هذا الكمِّ الهائل من الدَّمار والتَّخريب المُمنهج والموت والكراهية!

لقد تمّ العمل على ترسيخ مفهوم العدالة بشتى أشكالها ولاسيما العدالة الاجتماعية بين النَّاس بغية التَّذكير بحقوق الأكثريّة الذين يقتاتون على ما تتركه لهم الأقليّة المتحكِّمة بكل ما هبَّ ودب، من خلال تخصيص يوم عالمي للعدالة الاجتماعية كلِّ عام، غير أن هذا المفهوم لم يعد له وجودٌ البتَّة في دولٍ يقوم سادتها على سلب ونهب شعوبهم أبسط حقوق المعيشة، وكأنَّهم قد امتلكوا كل ما يريدون في هذه الحياة، أو من خلال تشريع القوانين التي تنصُّ على مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات العامَّة والتي من شأنها أن تعطي الإنسان شعوراً عالياً بقيمته كمواطنٍ كامل الأهلية، ما يدفعه للعطاء المستمر الذي سيعود بالنَّفع الأكبر على حاكميه.

وهذا التَّوضيح يجعل الفارق في الحالتين كبيراً جداً، فالمواطن في الحالة الأولى لم يتبقَّ عليه إلاّ أن يعطي ويعطي دون أن يأخذ، وأن يستمر في العطاء حتى دون أن يُسمح له بالصُّراخ مطالباً بحقوقه، فهو بنظر سادته ملزمٌ بتقديم المزيد والمزيد لزيادة ممتلكاتهم بغضّ النَّظر عن احتياجاته ومتطلَّباته، وقد غدونا في بلادنا خير مثال، فالمواطن السُّوري الذي يعيش طوال حياته مُلزماً بالفقر والحاجة، لا قوانين تحميه، ولا وجود لمن يعتبره إنساناً، بات بأمسِّ الحاجة للكثير من المتطلبات المعيشية والقانونية والاجتماعية والتَّعليمية ليكمل مسيرته في تقديم النُّذر والأضاحي لأصحاب الشَّأن السَّاعين لتكاثر ممتلكاتهم الخاصة التي هي أساساً من حقه أولاً وآخراً، وأمسى أكثر رغبةً بالوصول إلى إجاباتٍ دقيقةٍ عن العديد من التَّساؤلات: ماذا لو سُنَّت القوانين التي تحفظ حقوق الجنسين في كل مستويات الحياة دون تمييزٍ صارخٍ بينهما؟ ماذا لو نال المواطن السوري حقوقه في الحصول على الخبز الجيد والدَّواء الفعّال والعلاج الصِّحي الحقيقي؟ ماذا لو حصل على تعليمٍ يرتقي بالبلاد ومستقبل الأبناء؟ وبمسكنٍ يليق بنا كبشر عوضاً عن التَّبعثر هنا وهناك في العشوائيات المصدر الأول لانتشار العديد من الظَّواهر التي تُعتبر العامل الأساسي لكل ما هو مسيء للإنسان والمجتمع على حدٍّ سواء؟ ما الضَّير في أن نحصل على رواتب شهريةً تتساوى ولو بالحدود الدنيا مع ما نبذله من جهود، ومع احتياجات الحياة اليومية طيلة الشَّهر دون الحاجة إلى عملٍ أو عملين إضافيين أو الاستدانة من هنا أو هناك؟ وما المشكلة في أن نطمئنَّ على حياة ما بعد التَّقاعد سواء صحياً أو مادياً بدلاً من البحث مُجدّداً عن موردٍ جديدٍ بعد أن مضى العمر هباءً منثوراً؟ تحديداً بعد سنوات الحرب العجاف، وما تضمنته من قهرٍ وذلٍّ وتشرُّدٍ وتبعثرٍ هنا وهناك، وبعد خسارة كل شيء!

ألم يكن من الضَّرورة بمكان أن يُكافأ هذا الإنسان الذي دفع أثماناً باهظةً لم يتخيَّل أن يدفعها ذات يومٍ، وأن تُمدَّ له الأيادي ليتمكّن من الوقوف مُجدّداً؟؟

إلاّ أن ما يحدث على أرض الواقع عكس كل التَّوقعات، والأحلام والآمال، فبدلاً من أن تكون هذه المرحلة مرحلة نهوضٍ من تحت الرُّكام، تحوَّلت بفعل البعض لمرحلة قتل من لم يمت بالحرب، ومعاقبة كل من تمسَّك بالحياة وحلم بغدٍ أفضل.

فعن أيّ عدالةٍ تتحدثون؟ ولماذا تُصرَّ المواثيق الدَّولية على تذكيرنا بالعشرين من شباط كيومٍ عالميٍ للعدالة الاجتماعية وأهميتها في تطوُّر البشرية؟ فمشاركة السوريين يوماً واحداً من رحلة العذاب اليومي كفيلةٌ بأن تؤكِّد لكم وللأسف الشَّديد أن لا معنى لهذا المصطلح إلاّ على الورق وفي رؤوسكم فقط.

يكفينا من هذا اليوم أن نصف المواطن السُّوري ولو بالحدود الدُّنيا، لأنه خير مثالٍ على الرَّغبة بالحياة والقدرة على الوقوف مراراً وتكراراً، لأنه وبكل بساطةٍ يستحق الحياة.

 

العدد 1102 - 03/4/2024