كيم وترامب.. هل يعودان للعبة شد الأعصاب؟!
د. صياح عزام:
يبدو أن التقارب الذي حصل بين كوريا الديمقراطية والولايات المتحدة الأمريكية قد فشل، وهذا يعني العودة إلى ما قبل ذلك التقارب، إذ ستلجأ واشنطن إلى استمرار الحصار وفرض العقوبات والتصعيد بكل أشكاله، وبطبيعية الحال، ستستمر كوريا الديمقراطية في ردها على التصعيد بإجراء تجارب صاروخية جديدة كخطوات للدفاع عن نفسها.
وما من شك في أن هذا الفشل في التقارب مرده سياسة ترامب الخارجية المترددة وغير المدروسة تجاه كوريا الديمقراطية وغيرها، وحتى تجاه حلفاء وأصدقاء أمريكا، الأمر الذي أدى إلى قيام خصوصه الديمقراطيين باستغلال ذلك في سياق إجراءات مساءلته والتمهيد لعزله، أو التشويش على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر تشرين الثاني لعام 2020.
إذن، يمكن القول إن العلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تتجه إلى خط المواجهة مجدداً، بعد جمود الاتصالات بين الطرفين حول نزع الأسلحة النووية، وخفض التوتر في تلك المنطقة الملغومة بإرث من الأحقاد والحروب والحصار، لأن كافة المجاملات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الديمقراطي كيم جونغ أون، وحالات الغزل بينهما انقلبت إلى إحباط كبير عبّرت عنه تصريحات وتحركات الجانبين، وقد كانت السياسة الأمريكية المترددة- كما أشرنا- هي السبب في الوصول إلى هذه النقطة، حيث لم تقدم واشنطن أية مبادرة إيجابية عملية خلال فترة التقارب القصيرة وأثناء اللقاءات بين الطرفين تشجع كوريا بدورها على تقديم تنازلات معينة. ولهذا وفي سياق هذا الجفاء الدبلوماسي والاستفزازات الأمريكية التي لم تنقطع، أجرت كوريا الديمقراطية بعض التجارب الصاروخية، التي تعزز قدراتها القتالية واستعداداتها للدفاع عن نفسها، وتوعدت بأن يشهد العام الجديد 2020 مفاجآت أخرى وفقاً لمسار تعطيل واشنطن للتقارب.
بالمقابل يبدو الأمريكيين كأنهم في أزمة تتراوح ما بين رغبة في عدم انهيار الجسور التي بناها ترامب مع كيم الزعيم الكوري الديمقراطي، وبين الثبات على المواقف المتشددة ومواصلة التصعيد، إلى جانب تقديم الدعم المطلق لحلفاء واشنطن، وفي المقدمة منهم (اليابان) التي لم تكن راضية عن السياسة الأمريكية في الأشهر الثمانية عشرة الماضية منذ قمة كيم وترامب في سنغافورة.
أما بالنسبة لكوريا الجنوبية فبطبيعة الحال لا يمكن أن تكون سعيدة بعودة الصراع والتصعيد، بعدما أقامت شبكة علاقات متقدمة نسبياً مع كوريا الديمقراطية سعت من خلالها إلى محاولة طي صفحة العداء بين أبناء الأمة الكورية الواحدة والسعي لتنمية المناطق الحدودية، علماً بأن التقارب البسيط الذي بدأ بين قيادتي الكوريتين قد حرك لدى الشعب في البلدين المشاعر القومية المتأصلة في الأذهان والنفوس.. لكن يبدو أن الحلم بمزيد من التقارب والأمل بتوحيد أبناء الأمة الواحدة في دولة واحد أخذ يبتعد، وسينتهي الأمر إلى العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع على مدى عقود من توتر وخوف متبادل من إمكانية نشوب حرب مفاجئة لا يمكن لأحد أن يحسم نتائجها أو يقدر مداها وتداعياتها الكارثية على الطرفين، وهذا كله بسبب سياسات ترامب اللولبية والمترددة.
غني عن الذكر أن الرئيس ترامب قد لا يكون سعيداً بهذا الوضع الذي آلت إليه الأوضاع مع كوريا الديمقراطي، لأن استمرارها سيؤثر على الانتخابات الرئاسية بشكل وبآخر.. ولكن لا يمكن لأحد أن يتوقع مواقفه أو قراراتها التي غالباً ما تكون آنية ومرتجلة، ورغم ذلك يتوقع بعض المراقبين والمحللين السياسيين أن يسعى ترامب إلى محاولة جديدة تتضمن تقديم بعض الحوافز للزعيم الكوري الديمقراطي كيم من أجل العودة إلى التفاوض بما يمكن ترامب من الحفاظ على حالة الجمود إلى ما بعد المنافسة الرئاسية، وفي حال فوزه بولاية رئاسية ثانية بإمكانه بعد ذلك، أن ينتهج السياسة التي يريدها ضد كوريا الديمقراطية، هكذا يتصور ترامب حسب تقديرات المحللين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل يتصور ترامب أن الزعيم الكوري الديمقراطي كيم لا يدرك ذلك!
الخلاصة.. بقيت لدى ترامب وكيم عدة أوراق يمكن أن يلعبانها في الأزمة بينهما، ومن المرجح أن يعودا إلى لعبة شد الأعصاب، ولكن هذه المرة لن يكونا وحدهما على المرح ويبقى الآخرون متفجرين، وبالتالي ربما يحصل نوع من التوافق يحفظ لكل طرف مصلحته.