غياب المسؤوليّة الاجتماعيّة
ريم الحسين:
بعد أن عاش الشّارع السّوري حالة من التّكافل الاجتماعيّ لمدّة يومين عبر مبادرة (ليرتنا عزّنا) الّتي انطلقت عبر مواقع التّواصل الاجتماعي وطال صداها عدّة مدن سوريّة ساهم من خلالها بعض أصحاب المهن والأعمال والصّناعات الفرديّة في إعطائها صبغة وطنيّة جامعة، يأتي السّؤال الملحّ عن تفعيل دور المسؤوليّة الاجتماعيّة للحكومة والشّركات الكبيرة وأصحاب رأس المال الضّخم، بعد تسع سنوات من الحرب الّتي تعصف بوطنهم.
المبادرة الّتي اقتصر مفعولها على صورة من التّضامن الشّعبيّ الرّمزيّ مع عملة بلدهم الّتي تمرّ بفترة حرجة وانخفاض كبير بأن تُشترى أيّ سلعة من المحلّات المشاركة بليرة سوريّة واحدة، ورغم عدم توفّر هذه القطعة المعدنيّة وسحبها من التّداول منذ أواخر عام ٢٠١٣ إلّا أن البعض وبحكم تدنّي قيمتها أو لأسباب عاطفيّة احتفظ بعدد منها وسارع لاستثمارها في هذا العرض المغري، فلاقت رواجاً كبيراً لدى السّوريين وخلقت شعوراً جميلاً لدى البعض، منهم من الفقر والعوز ومنهم للاستفادة من عرض بالحصول على سلع تضاعفت أسعارها عشرين ضعفاً منذ بداية الحرب. ولم يكن للمبادرة طبعاً أيّ تأثير اقتصاديّ كما يتمنى البعض من حيث تنشيط الاقتصاد ودعم اللّيرة السّوريّة، لكن يكفي المساعدة الّتي ظهرت بشكل جماعيّ، وربما استغلّ البعض الفرصة للتّرويج والإعلان وهذا موضوع آخر لا يتعدّى كونه دعاية بسيطة لا أكثر كون هذه المبادرة بحسب البعض لو كانت جادّة لاتّخذت شكل فئة من العملة موجودة بشكل أوسع، لكن بهذا الشّكل سيخسر المشاركون كلّ بضاعتهم وسلعهم، فيكفي الطّابع الإنسانيّ والاجتماعيّ العميق الّذي أظهرته هذه المبادرة.
وفي كلّ مرة يدهشنا الشّعب السّوريّ الأصيل بحبه لوطنه وانتمائه الكبير رغم عدم امتلاكه للوسائل والإمكانيات والقرار باللّحمة الوطنيّة الّتي تجلّت بأبهى صورها في أحداث عديدة شهدتها سنوات الحرب، بالمقابل وكما المتوقّع والواقع من الّذين يملكون القدرة وزمام المبادرة والقرار يقفون بموضع المتفرج والأصنام، بل بعضهم مشارك بهذا الحصار الخانق ومحاولة تجويع شعبه بمضاربته وتجارته السّوداء وفساده المرعب.
نحن هنا لا نتحدث فقط عن مساعدات ونشاطات وأعمال على الأرض، وإنّما يتخطّاها لمفهوم أشمل وأعمق يتضمن المسؤوليّة الاجتماعيّة الّتي هي أكثر من كوّنها القيام بأعمال تطوعيّة أو مساعدة الآخرين أو التّبرع بالمال للجمعيات أو الأفراد، بل هي منهج أو سلوك ينتهجه الفرد أو المنظمة، في سبيل القيام بواجباته اتجاه نفسه واتجاه المجتمع الّذي ينتمي إليه بكلّ مكوناته، فهي ببساطه ( ممارسة المواطنة الحقّة)، فمتى شعر الفرد أو المنظمة بهذا الأمر فإنّه سوف يقوم بواجبة البيئيّ الاجتماعي ّوالاقتصاديّ، وهذه الثّلاث هي المحاور الرئيسيّة الّتي يقوم عليها مفهوم المسؤوليّة الاجتماعيّة.
المسؤوليّة الاجتماعيّة من خلال ارتباطها بالمواطنة هي الأساس الأخلاقيّ الّذي تستند إليه المواطنة، وهي الّتي تدفع المواطنين والحكومات إلى تبنّي مفهومات إيجابيّة، وإلى ممارسات سلوكيّة تتصف بالاندماج في الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة، والوعي بأهميّة هذا الاندماج، وتتحدّد مسؤوليات الأفراد والجماعات وفقاً للأدوار الّتي يقومون بها، والّتي تحدّدها التّوقعات المتبادلة المرتبطة بقيم المجتمع ومعاييره، فكيف إذا كان هذا المجتمع يعيش في حرب ضروس حوّلته إلى واحة خراب!
المجتمع السّوري لديه هذه المعايير والأسس المطلوبة للمبادرة رغم ويلات الحرب، لكن هل مسؤولوه وحكومته وصنّاع القرار وأصحاب رؤوس الأموال يملكونها؟
لماذا لم تتضافر الجهود وبالتّحديد الحكومة وأصحاب الشّركات الكبيرة مع هذا المجتمع، لخلق حالة من هذا التّضامن تحسّن من مستوى البعد الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ ويتخطّاه للبيئة المحيطة، بل على العكس هناك تنافر حقيقي بين المواطنين وبينهم لدرجة تحولّهم إلى محطّ سخط وانتقاد كبير من قبل المواطنين!!
(الجمل بليرة وما في ليرة) ولمدّة يومين كشفت زيف المبادرات الحكوميّة لتحسين الوضع في شتى المجالات، وعدم القدرة على ضبط الأسعار، ذلك أنّ الأسعار زادت على أغلب السّلع منذ بدء العمل بالمرسوم الرّئاسيّ ومحاولة ضبط تدهور قيمة اللّيرة إلّا أنّ هذا النزول البسيط لم يؤثر على السّوق وإنّما ارتفعت بعده الأسعار بحدود ١٠ إلى ٢٠ بالمئة، وعليه فليتحمّل كل مسؤول القيام بواجبه ومهامه وإلّا فليدع من يريد التّضحية وتقديم الجهد والعمل لأجل هذا الوطن القيام بهذه المسؤوليّة.
فمن لا يقوم بمسؤوليته الطّبيعيّة والوظيفيّة والمكلّف بها لن يقوم بأيّ مسؤوليّة اجتماعيّة تلقائيّة للنّهوض بالوطن في شتّى المجالات.
المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.