مندوب الإعلانات.. تعزيز للتسليع والاستلاب
إيمان أحمد ونوس:
لا شكّ أن التطور الاقتصادي والصناعي والتجاري يفرض ويفرز أنماطاً مُتعددة ومُتجدّدة، سواء من حيث العمل أو الترويج والتسويق. وكذلك، لا شكّ أن هذا التطور قد فرض تقليص نسبة العمالة البشرية بحكم طغيان الآلات الحديثة التي تقوم بأعمال مختلفة تتناسب وبرمجتها من جهة، ومساعي ربّ العمل لتقليص الكلفة ورفع نسب الربح ما أمكن، باتباع أساليب حديثة ومُستحدثة في الإنتاج والتوزيع والتصريف، بغض النظر عن الآلية المُتّبعة والتي في غالبها ذات بعد غير إنساني.
من هنا نتلمّس وبوضوح أحد أهم أسباب البطالة، لا في الدول النامية أو المتخلّفة فقط- نحن منها-، وإنما في الدول المتطورة صناعياً أيضاً، ولعلّ هذه الظاهرة في عمقها وقِدَمها هي أحد مفرزات الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر.
لقد شهد مجتمعنا تحوّلات غير مألوفة في العقود التي سبقت الأزمة السياسية والحرب الحالية، وقد كان بعض هذه التحوّلات أحد أهم أسباب اندلاع تلك الأزمة، ولا شك أن أهمها ما كان على صعيد العمل والبطالة واستغلال الطبقة العاملة بأبشع الأشكال، ولعلّ قانون العمل رقم 17 للعام 2010 أبرز دليل على هذا الواقع.
بالتأكيد، وفي ظلّ ما ذُكِر، كانت هناك أعداد كبيرة من الشباب، وخاصّة من خريجي الجامعات تُعاني من بطالة اغتالت الطاقات والإمكانات غير المحدودة لدى هذه الشريحة الأهم في المجتمع، ما دفعهم جميعاً للبحث عن فرص عمل مهما كانت ضآلتها ودونيتها وآنيتها، فقط من أجل تلبية ما هو ضروري للبقاء على قيد الإنسانية في حدودها الدنيا. لقد شاهد غالبيتنا في أسواق وشوارع دمشق شباباص يحملون على ظهورهم لوحات إعلانية لمنتج ما، وكان هذا المشهد غاية في الفظاعة وأبشع أشكال العبودية شكلاً ومضموناً، تلته أرتالٌ من مندوبي الإعلانات الجوالين (إناثاً وذكور) واليوم تستغل شركات كبرى كالخليوي وغيرها الشباب الجامعي والعاطل عن العمل لتسويق منتجاتهم (خطوط هاتفية مثلاً) أو بيعها تحت ذرائع وخطط مختلفة. كل أولئك الشباب من الجنسين لا يكاد مردود أعمالهم تلك يغطي أجرة الطريق، إضافة إلى أنها أعمال تفتقد في غالبيتها إلى التركيز وإعمال الفكر والعقل في تنفيذها، وتقوم على استغلال طاقات الشباب في أعمال لا منتجة ولا مبدعة، تعمل على تسليعهم فقط لتلبية أبسط احتياجاتهم ودراستهم، فضلاً عمّا يعترضهم من مخاطر وسلوكيات تودي بهم غالباً لاكتساب أخلاقيات تشوّه الشخصية ومفاهيمها، كما تُعزّز لدى أجيال الشباب نمطية الاستهلاك والتسليع والاستلاب التي هي من سمات المجتمعات المعاصرة، وهذا يؤدي إلى تشوّه المجتمع وانحرافه عن جادة الإنسانية والحضارة والتطور في غفلة من المعنيين بالأمر، الذين تجاهلوا حقوق الشباب واحتياجاتهم، فكان أن تحوّل بعضهم إلى قنابل موقوتة اغتالت في لحظة كل ما سعينا إليه باتجاه العدالة والإنسانية.